اغتصاب الاطفال.. يجب النظر الي جذور الازمة

نشرت الاستاذة ايمان نمر في صفحتها قصة موجعة لاغتصاب طفل صغير عمره ست سنوات بواسطة جارهم الذي يبلغ من العمر خمسة وستون عاما ، استقل سفر زوجته وخلو البيت ، حيث استدرجه بارساله الي الدكان لشراء بسكويت ، وسمع الجيران وبعض من كان في الطريق صراخ الطفل واستغاثاته ، فكسروا الباب ، وحاول الرجل الهروب لكن تم القبض عليه عاريا في بيت الجيران بعد ان قفز بالسور ، وحاول والد الطفل خنقه لولا سرعة وصول الشرطة ، والتي اقتادته الي القسم كما ولدته امه … ليتم تحويل الطفل الي المستشفي وتمت خياطة المستقبم الذي تهتك ، وايضا امه ترقد في المستشفي و هي الاخري في غيبوبة منذ ان رأت وليدها بعد الاعتداء عليه .
هذه الحادثة البشعة تمت في الخرطوم في الخط الفاصل بين نهاية امتداد بري وبداية حي الصفاء ، ولقد اختصرت السيناريو الحزين الذي رسمته الاستاذة في بوستها الطويل المتسلسل ، والذي وضحت فيه تفاصيل دقيقة لكيفية حدوث الجريمة ، ولقد حاولت تلخيص ما ورد فيه باختصار …..

في التعليقات كلنا ادان هذا الوحش الكاسر و الذي نهش براءة الطفل وتسبب له في عاهة نفسية وبدنية ربما استمرت معه مدي الحياة … وكل المعلقين طالبوا بانزال اقصي عقوبة عليه حتى ولو وصل الامر الي اعدامه ، حتي يكون عظة وعبرة لمن يفكر في انتهاك براءة الاطفال …
في الاونة الاخيرة كثرت هذه الجرائم البشعة في مجتمعنا المسالم ، وقد وصل بالبعض قتل الضحايا ليواري سواءاته ، وكلها تعتمد علي انتهاك الثقة التي يوليها اهالي الاطفال للجوار ، وذلك في تحركاتهم التي لا تتجاوز الجيران القريبين ، للاسف احيانا يكون هناك ذئبا متخفيا في ملابس انسان في وسط المجتمع ، مما يشوه صورة الجيران ويفكك الثقة المتبادلة ويجعل الاهالي يحبسون اطفالهم في البيوت خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه ….
وتزايد هذه الجريمة يعني انها بدأت تتجذر في المجتمع ، وللاسف ان القصص التي تصل الي الاعلام والي الشرطة قليلة جدا مقارنة بالكثير من الحوادث والتحرشات التي حصلت وتحصل ويتم التستر عليها من الاهالي خوفا من الفضيحة وخوفا علي سمعة الطفل ، وهذا الستر هو احد اسباب تكاثر هذه الذئاب وتجرأها علي المجتمع ….
والملاحظ ان اغلبية الحوادث تأتي من رجال مسنين او علي الاقل متزوجين وتتراوح اعمارهم بين الاربعين والسبعين ، وربما هناك بعض الشباب الطائش الذين قاموا بها تحت تأثير المخدرات ، لكن الغالبية العظمي تاتي من المسنين الذين تجاوزوا الاربعين ….
اعدام الفاعلين او تشديد العقوبة ، لا يكفي لاجتثاث هذه الظاهرة المتفشية في المجتمع ، لان مرتكب الجرائم العادية يعرف سلفا عقابه في حالة القبض عليه ومع ذلك يقوم بالجريمة ، اذ ان القاتل يعرف سلفا انه سيعدم في حالة ارتكابه لجريمة القتل ومع ذلك يقدم علي القتل ….

اذن يجب تتبع جذور الازمة حتي نصل الي منبعها ونجتثها من مجتمعنا ، وهذه هي مسئولية علماء الاجتماع والاطباء النفسين وكل من له علاقة بهذا الجانب …
قبل فترة تناول الاستاذ الكبير نورالدين مدني في عموده المقروء في الصحافة وفي اعداد متتالية ، تناول ازمة الجفاف العاطفي ، في الحياة الزوجية في المجتمع السوداني ، والتي غالبا ما تبدأ بعد عقد او اثنين بعد الزواج ويختلف باختلاف ثقافة الزوجين ….
للاسف لدينا مشاكل عويصة في تناول الثقافة الجنسية والحديث عنها ، مما ولد جهلا بالعملية الجنسية بين الازواج ، ويؤدي هذا الجهل الي الاستحياء من مناقشة بعض المشاكل بين الازواج ، بالتالي تتفاقم لتصل الي الجفاف العاطفي …
الزوجة السودانية تستحي من ممارسة حياتها الزوجية عندما يصل ابناءها او بناتها الي سن الرشد ويجد الزوجان حرجا بالغا حتي في التعبير عن حبهما لبعضهم ناهيك عن العلاقات الاخري ، وتتمنع للزوج من ممارسة حقوقه الزوجية الطبيعية بحجة الاولاد كبرت ، بل ويجدون حرجا بالغا في ايصال بعض المعلومات للابناء مما يجعلهم يحصلون عليها من مصادر اخري بغض النظر عن منبعها ….
عالج الاسلام هذا الامر بالسماح للرجل بالزواج مثني وثلاث ، لكن المرأة و الثقافة السودانية ، بل وحتي الظروف الاقتصادية اصبحت عائقا لمقدرة الرجل علي الزواج من اخري … مما ولد الكثير من الكبت في هؤلاء المسنين الذين لا يزالون بصحة جيدة ولهم احتياجاتهم الانسانية المختلفة ، ومع تداخل عوامل اخري في التنشئة وفي الشخصية يجعل بعضهم في ظروف نفسية سيئة تصل الي الاختلال و تجعلهم يمارسوا مثل هذه الرزائل التي تنخر في جسد المجتمع …

بالتاكيد هناك اسباب اخري غير ما ذكرته ، لكن هذا السبب ربما يكون العمود الفقري للقضية ، وايضا هناك عوامل اجتماعية و تربوية تتداخل مع هذه الاسباب ….

هنالك شواذ مثليين لكن نادرا ما يقومون باغتصاب الاطفال ، وهذه الجرائم يمارسها اشخاص غير معروف عنهم هذا الشذوذ ….
اذا قلنا ان هذه الجرائم متأصلة في الانسان ، ينفيها قلة ممارستها في المجتمع الافريقي من حولنا … ففي شرق افريقيا مثلا لن تجد شخصا يغتصب طفل مهما كانت الظروف ، حتي نسبة الشذوذ عندهم قليلة جدا جدا مقارنة بالسودان او الدول العربية الاخري … اذن جذور واسباب هذه الممارسات مرتبطة بصورة مباشرة بثقافتنا وطريقة حياتنا وبعض عاداتنا السيئة ….
نتمني تحرك علماء الاجتماع والاختصاصين لسبر اغوار هذه الجرائم التي تهدد امن وسلامة مجتمعنا ، وعلي المجتمع ان يكون مستعدا لترك الكثير من العادات والسلوكيات التي يتم تحديدها كسبب من اسباب هذه الجرائم .

بقلم
سالم الأمين

Exit mobile version