“دينق” يبدو كمن جاء متعقباً خطوات غريمه مشار في الخرطوم.. زيارة “تعبان” تُخرج الرجل الأفلج من المخبأ

في أي وقت قلت إن (مشار في الخرطوم)، فستحظى بالانتباه وسيل من التكهنات العميقة والضحلة فيما يخص نيات الحكومة السودانية إزاء دولة جنوب السودان واحداثها الواعدة.
إذاً ما بالكم لو قلنا إن هذا الوصول تم إعلانه بعد ساعات فقط من مغادرة طائرة مبعوث جوبا إلى الخرطوم يوم أمس (الثلاثاء)؟، اعتقد أننا حظينا بكامل انتباهكم.
بيان حكومي
قال وزير الإعلام أحمد بلال في بيان مقتضب إن بلاده أخطرت جوبا، باستقبالها لزعيم المتمردين، النائب السابق لدولة جنوب السودان، د. رياك مشار، في العاصمة الخرطوم، لأسباب إنسانية بحتة، تتصل بتقديم العلاج له في ظل أحاديث قوية عن تعرض الرجل لإصابات بليغة أثناء عملية انسحابه من العاصمة جوبا إلى دولة الكونغو المجاورة، إثر اندلاع مواجهات قوية بين أنصاره وقوات الجيش الشعبي، عقب اتفاق سلام هش وقعه الطرفان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
والملاحظ أن الخرطوم ساقت ذات دعاوى الأمم المتحدة التي بررت بها استقبال بعثتها لمشار في جمهورية الكنغو وإن الخطوة تمت لأسباب إنسانية بحتة.
تلافي الحرج
أكدت الخرطوم في بيانها الصادر أمس أنها اخطرت جوبا بوصول مشار إلى أراضيها لأغراض الاستشفاء، ومن ثم السماح له بالمغادرة للوجهة التي يريدها.
ومن غير المستبعد أن تكون الخرطوم ساقت مبرراتها لنائب رئيس دولة جنوب السودان الذي أنهى زيارة وصفت بالناجحة إلى العاصمة السودانية.
يزيد من هذه الاحتمالية أن الإعلان تم بمجرد مغادرة تعبان، الذي وصل الخرطوم على أمل أن تسهم الأخيرة في حل المشكل (الجنوبي – الجنوبي) بمنأى عن التدويل، وداخل البيت الأفريقي.
الحياد هو الحل
بالرغم من تشابك مصالح الخرطوم، وتوزعها بين (كير – مشار) فقد آثرت الحياد موقفاً، حتى أنها رفضت بشكل قاطع، ابتعاث قوة برية لتشارك ضمن القوات الأفريقية المشاركة في عمليات حفظ السلام بموجب قرارات أممية.
ومع دعوات تنبعث من هنا وهناك للخرطوم، باستغلال الأوضاع في جنوب السودان، والتدخل لصالح أحد الفصيلين المتناحرين بما يسمح له ببسط سيطرته؛ فإن الأصوات العاقلة تؤشر إلى أن الرهانات الخاسرة ستكون أمراً شديد الكلفة، وستؤدي إلى ضغائن قد تسهم لاحقاً في تعقيد الملفات (السوداجنوبية) بل وربما تؤدي إلى العودة القهقري إلى مربع تبادل الأيذاء والأيواء العسكري للعناصر المتمردة، هذا إن لم يتكرر سيناريو الاصطدام العسكري بين الدولتين أسوة بما جرى إبان احتلال قوات الجيش الشعبي لهجليج 2012م.
كذلك تتخوف الخرطوم التي تعاني من أزمات اقتصادية سببها انفصال الجنوب في العام2011م من تعرض المنشآت النفطية هناك لضربات انتقامية متى انحازت لطرف وذلك من أجل الإضرار بمصالحها من بروتوكولات مرور النفط الجنوبي عبر الأراضي السودانية.
ومن فوائد الحياد، ولعب أدوار لتفريق الشقة بين (كير – مشار)، إنه متى وضعت الحرب أوزارها فستبدأ دولة السودان في حصاد ثمرات التعاون، مؤمنة كامل حدودها الجنوبية من إغارات الحركات المسلحة، ومن موجات النزوح الجنوبية الناجمة عن تردي الأوضاع الأمنية.
تعضيد الحياد
قد ينظر إلى استقبال الخرطوم لمشار على أنه نقض لغزل زيارة تعبان دينق.
بيد أن الأمم المتحدة ممثلة في المبعوث الخاص لدولتي السودان نيكولاس هيسوم، والولايات المتحدة ممثلة في المبعوث الخاص دونالد بوث، أكدتا غير ما مرة ثقتهما في أن تلعب الخرطوم أدواراً فاعلة في حلحلة المشكل الجنوبي، وتلك مواقف بجانب أنها تقدر للخرطوم مكانتها في المنطقة، ولكنها تحفزها لتجنب الدخول لصالح طرف بما يقود إلى تأزيم المشهد في الدولة الوليدة.
وعليه فإن الخرطوم التي قد تكون بدت لأنصار مشار منحازة حين فتحت ذراعيها لاستقبال تعبان دينق الذي حل بالمناسبة محله في مؤسسة الرئاسة الجنوبية، غير أن فتح مشافي الخرطوم أمام مشار الذي يعاني وضعاً صحياً وميدانياً بالغ التعقيد يحسب في إطار بناء علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، لا سيما مع التأكيدات الغليظة بأن جوبا على علم تام بأغراض وجود مشار -حالياً- على الأراضي السودانية.
جدير بالذكر أن رئيس الجمهورية، عمر البشير، ظل على الدوام أول المتصلين بسلفاكير ومشار في أعقاب كل انزلاق أمني، للاطمئنان على صحتهما، ولحثهما لسماع صوت العقل والعمل على حل خلافاتهما عبر الحوار.
يصف الأمين العام للهيئة القومية لدعم السلام بدولة جنوب السودان، أحد أنصار مشار، استيفن لوال، موقف الخرطوم إنساني وموفق. ويقول لـ (الصيحة) إن وصول مشار إلى العاصمة السودانية لا علاقة له مطلقاً بأية أسباب أخرى بخلاف تلقي العلاج، شأنه في ذلك شأن أي من رعايا بلاده الذين يتم معاملتهم على أنهم مواطنون سودانيون.
وسخر لوال من الأقوال الذاهبة إلى أن مشار باحثاً عن دعم الخرطوم العسكري، واتهم من يقولون ذلك بانعدام الحس الإنساني حيال مأساة صحية ألمت بقائد معروف بمواقفه وكسوبه.
من جانبه ينوه الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)، محمد ضياء الدين، إلى أن الخرطوم تنظر إلى مشار باعتباره تذكرة عبورها لجميع أبواب جوبا المغلقة.
يقول ضياء الدين لـ(الصيحة) إن موقف الخرطوم من مشار يجب ألا يقرأ بمعزل عن مواقفها حيال الأزمة الجنوبية، وقيامها بعملية اجلاء معقدة للرجل من الكونغو التي وصلها في حالة سيئة طبقاً لوكالات إخبارية. وأضاف: يربط ذلك بأدوار مرتقبة لمشار الذي تسيطر قواته على المناطق المتاخمة للحدود السودانية وتنشط فيها الحركات المسلحة المناوئة للخرطوم.
ومن ثم خلص ضياء الدين إلى أن مشار يعتبر ورقة ضغط ومساومة بطرف الحكومة السودانية.
جدير بالذكر أن صحيفة (استاندرد) الكينية، قالت في عددها الصادر الخميس الماضي، إن طائرة (انتنوف)، تقل عسكريين سودانيين وأفراد بالقوات الخاصة يقودهم مسؤول رفيع، هبطت مطار (إسيرو) لتسلم مشار من مسؤولي الأمم المتحدة بدولة الكونغو بعدما ساءت حالته الصحية.

الصيحة

Exit mobile version