قصتي مع (ود ميكي).. اعطاني درس في شارع بالخرطوم لن انساه

نقع في اخطاء فادحة حينما نتعامل مع الاخرين علي حسب تنميطنا لهم من مظهرهم الخارجي فقط ، احيانا كثيرة نحكم عليهم وعلي سلوكهم حتي قبل ان نتحدث اليهم ناهيك ان نتعامل معهم ، بعدها نحتاج الي زمن طويل او الي صدمة قوية كي نغير هذه النظرة …. وحينها تكون قد ضاعت الكثير من الحقوق بسبب هذه التقديران الخاطئة …

امبارح الصباح وكنت في طريقي للمنطقة عشان اصلح عربيتي – فيها مشكلة في الكهرباء والبطارية – و قفت في شارع مكة في الخرطوم لقضاء غرض ، لكن للأسف لما انهيت حاجتي لقيت البطارية فارغة والعربية ابت تدور
ودا معناه ( اما اجيب بطارية تانية …. او اشيل البطارية واوديها الشارز وانتظرها .. او القي زول يساعدني و يوصل لي كهرباء من بطارية عربيتوا بواسطة وصلة طويلة موجودة معاي في العربية )
اخترت الخيار الاخير ووصلت بطاريتي بطرف من اطراف الوصلة ، وبقيت واقف اعاين في الوجوه عشان القى واحد من ناس ابوالمروة يوافق يوصل لي كهرباء من عربيتو ، والعملية كلها ما بتأخد اكتر من دقيقتين تلاتة …. لكن للأسف الناس كلها في المنطقة دي مشغولة ، لكن قلت افتش في وجوه اهلنا ناس الاقاليم – وحسب اعتقادي – هم الأكثر مروءة من الاخريين اي من سكان الخرطوم والاجانب …
وفعلا لقيت واحد وقف عربيتو وظاهر عليهو من ناسنا في الاقاليم ، لكن للاسف اعتذر لي بانه مستعجل … واحد تاني اعتذر لي بانه دي عربية شركة وما بقدر يساعدني ، والشخص الاخير قال لي جملة واحدة وما زادها فال (آسف ) وواصل مشواره …

لما كنت بوصل البطارية كان في عربية واقفة قصادي في الاتجاه المعاكس للظلط ومتجهة عكس اتجاهي ، عربية افراج مؤقت مظللة كلها لكن شباكها فاتح وسايقها واحد من شكله (حنكوش ) ، او من الجماعة البنسميهم (اولاد ميكي ) .. شاب في بداية العشرينات شعره مفلفل ، و وجهه مصنفر ، لابس فنيلة كات ، ونظارة مظللة ما بتشوف فيها غير صورتك ، وفي رقبتو سلسل كبير ، وكان بتكلم من موبايله عبر سماعة اذن …
انا طبعا ما عشمت فيهو انه يساعدني عشان كدا ما مشيت عليه ولا اشتغلت بيهو ، بل كنت بفكر باشمئزاز في لبسه اللابسو والشي العاملوا في نفسوا … فجاة حرك عربيتو وجاء في مواجهة عربيتي ووقفها ..
انا كنت فاكرو عايز يستعدل ، لكنه نزل من العربية وفتح كبوتها ، وجا شال وصلة بطاريتي الكانت في الارض ووصلها في عربيتوا وقال لي : ( دور عربيتك ) ، انا طبعا كنت واقف ولسة منتظر في (ابوالمروة ) وبرضو في نفس الوقت مستغرب من الرداء القصير فوق الركبة الكان لابسو الشاب …
وفجاة انتبهت علي كلمته القالها لي وما زادها ( دور عربيتك ) … وفعلا ركبت العربية ودورتها ، هو فك الوصلة من عربيتو ورجعها في محلها …. الكلام دا كله تم في اقل من دقيقتين ، و هو كان لسة مواصل في مكالمته وما قطعها ، انا نزلت وحصلتو سرييع عشان اشكره قبل ما يسوق عربيتو ويمش ….. في اللحظة ديك جاني الف خاطر هل اشكره بس ، ولا احكي ليهو الشي الكان دائر في نفسي ، وحكمي السلبي عنه قبل ما يبرز لي مروءتوا … في النهاية حكيت ليهو باختصار باني ما كنت متوقعه يساعدني ، وكنت متوقع المساعدة من ناس تاني وخذلوني ، عاين لي نظرة انا فسرتها بالاشفاق ، وابتسم ابتسامة ساخرة وهز راسوا وقال لي ( ذي تقديراتك هي مضيعة بلدنا ) … وقبل ما ارد ليهو حرك عربيتو ورجع للخلف واستعدل مشي وقف في نفس المكان الكان وقف فيهو اول …
انا ذاتي اتحركت ومشيت في مشواري ، بس كنت في طول المشوار بفكر في الشئ الحصل .. كنت بفكر في اعتقاداتي الكانت خاطئة في تنميط الناس حسب جهاتهم ، ديل ناس اقاليم ناس مروءة ، وديل اولاد الخرطوم الما بساعدو الناس ، فكرت في مظهره و لبسه هل ليهو علاقة بي تصرفاته وسلوكه ، بالطبع هناك ظروف واسباب كثيرة ومتداخلة هي الكونت ثقافته وحددت انه يختار مظهره ولبسو ، ذي ما في ناس الليلة ائمة في المساجد وكانو زمان يلبسو بنطلون الشارلستون ويخنفسوا في شعرهم … هل نحاسب الشباب ديل ولا نحاسب الظروف والاسباب الكونت ثقافتهم؟؟ …. ولا نتقبلهم ونحترمهم ذي ما هم !!!

في اللحظة ديك فكرت ، لو كان الشاب دا احتاج لمساعدتي انا ، وعلي حسب تنميطي ليه من شكله ، هل كنت حأساعده ؟؟
الاجابة كانت في جملته الوحيدة القالها لي ( ذي تقديراتك هي المضيعة بلدنا ) …

احيانا نحتاج لصدمات ودروس من امثال هؤلاء لنفيق من اوهامنا .

بقلم
سالم الأمين

Exit mobile version