خربشات الجمعة

(1)
دخلت مستشفى الخرطوم بحري منتصف ليل (الثلاثاء).. وقد توقف الأطباء عن العمل احتجاجاً على الاعتداء الذي تعرض له زملاؤهم بمستشفى أم درمان.. والحادثة وجدت الشجب والإدانة من كل أطياف المجتمع العريض.. واتخذت السلطات حزمة إجراءات بشأن حادثة مستشفى أم درمان وحماية الأطباء من قبل المعتدين بتشكيل قوة شرطية ذات اختصاص محدود.. إلا أن الأطباء كان قرارهم التوقف عن العمل احتجاجاً في ذلك الهزيع الأخير من الليل والمدينة صامتة.. والأسواق أغلقت.. وبائعات الشاي انصرفن من المناطق المحيطة بالمستشفيات، كان المريض الذي نحمله على أكتافنا فاقداً للوعي بعد أن هدنا التعب والرهق بحثاً عن مركز لغسيل الكُلى، وقد خرج المريض من العملية الجراحية فاقداً للوعي.. كان د.”أحمد زكريا” مدير المستشفى يجوب العنابر وأقسام الطوارئ والعمليات، ومعه أطباء مخلصون لمهنتهم رفضوا التوقف والإضراب انحيازاً لمهنتهم كأطباء إسلاميين يسدون الفرقة حين يفتح الآخرون ثغرات في جدار خدمة إنسانية، كان د.”محمد عبد الباقي القدال” اختصاصي أمراض الكُلى، ود.”أحمد البشير فضل الله” يزرعون الأمل في نفوس المرضى، بأن توقف بعض الأطباء لا يعني أن يموت المرضى.. في تلك الليلة سهر الأطباء الوطنيون حتى الصباح يضمدون الجراح والمدير العام لمستشفى بحري من الشباب القادمين بهمة ونشاط وحيوية، هم جيل د.”المعز حسن بخيت” يقدسون مهنة تتعرض لامتحان عسير.. سألت د.”أحمد البشر” عن الأسباب التي تدفع المواطنين للاعتداء على الأطباء وسألني لماذا تحدث الاعتداءات فقط في المستشفيات المدنية من المرافقين؟؟
يضيف قائلاً (عملت في السلاح الطبي ومستشفى الأمل، ومستشفى الشرطة ولم يعتدِ يوماً مريض على طبيب)، ولكن د.”أحمد زكريا يشير لاعتداء مواطن على الزجاج الداخلي لعنبر غسيل الكُلى ضربه بيده وأوسع الأطباء بفاحش القول وحينما تساقطت الدماء من يده أسرع الأطباء لتقديم الخدمة له وإنقاذه.
في النصف الثاني من الليل كان المدير الإداري لمستشفى بحري “أحمد محمد زين” مراقباً لعمليات النظافة وتلبية احتياجات المرضى.. وكان “عماد الدين بابكر” يشرف بنفسه على مراقبة تعقيم غرفة وحدة غسيل كلُلى “الطوارئ.. الإضاءات المشرقة في الحقل الطبي يعتم عليها الإعلام بالحديث عن أخطاء الأطباء الذين هم بشر مثل السياسيين والمهندسين والمزارعين.. يخطأون.. ولكن الحملة التي استهدفت الحقل الطبي وتضخيم أخطاء الأطباء قد جعلت المناخ العام قاتماً.. فكيف لوزارة الصحة القيام بحملة لإصحاح البيئة في هذا الواقع بكل تعرجاته.
(2)
تستقبل المستشفيات الحكومية ضحايا المستشفيات الخاصة التي في كثير من الأحيان تعجز عن تقديم الخدمة التي يحتاجها المريض، أثناء معاودة مريض بمستشفى البحيرة بأم درمان، ظل المدير الإداري للمستشفى يحرص على دفع التأمين المسبق أكثر من حرصه على استدعاء الطبيب الذي أجرى العملية، ولو لا شهامة وإخلاص أطباء مستشفى بحري لمهنتهم لمات العشرات في ليلة الإضراب الذي لا مبرر له خاصة بعد أن اتخذت وزارة الصحة حزمة من التدابير والإجراءات بعد حادثة الاعتداء.. ولكن السؤال لماذا أصبح تكوين شرطة خاصة هي الحل لكثير من المشكلات.. الآن في الشرطة هناك لا تستطيع إحصاء الشرطة الخاصة من شرطة حماية الحياة البرية إلى شرطة حماية المعابر.. وأخيراً شرطة حماية الأطباء وقبلها شرطة حماية الجامعات.. وشرطة حماية المنشآت وشرطة حماية السياحة.. وقد تنشئ الشرطة في مقبل الأيام وحدة خاصة لحماية الصحافيين ولا تنسى شرطة حماية الأسرة والطفل، هل من ضرورة لمثل هذه التفريعات العديدة للشرطة؟؟.. ولماذا لا تصبح الشرطة العامة هي المسؤولة عن تأمين كل القطاعات المذكورة باعتبار مهام واختصاصات الشرطة في الأمن الداخلي.
(3)
التقدير الذي يجده الفريق “طه عثمان” وزير الدولة برئاسة الجمهورية من القادة العرب هو في الأصل تقدير للرئيس “عمر البشير”، باعتبار الفريق “طه” ممثله في المهام غير العادية التي غالباً ما يضطلع بها خاصة الرؤساء والملوك.. وتكريم المملكة العربية السعودية للفريق “طه عثمان” هو تكريم في الأصل للرئيس “البشير” والشعب السوداني ورمزية عن تجاوز سنوات القحط والجفاف في علاقات البلدين، والفريق “طه” رغم صمته وبعده عن الأضواء وزهده في الإعلام والأضواء قد تساقطت عليه في الفترة الأخيرة (كاميرات) الصحافة بسبب ما يتعرض إليه من حملات جائرة واستهداف لا لشخصه بقدر ما هو استهداف للرئيس وللنظام الحاكم الذي يمضي بثبات نحو بلوغ مرحلة جديدة.. وبعد طي ملف العلاقات العربية وانتقال البلاد لمرحلة الحوار مع الغرب، فإن بعض (المكدرات) يمكن لدبلوماسية (الرئاسة) تجاوزها.. وتمثل واقعة لقاء البروفيسور “غندور” بوزير خارجية سوريا “وليد المعلم” من الأخطاء التي تستطيع دبلوماسية (القصر) عبورها.. وبعيداً عن المهام الرسمية، فإن الوجه الاجتماعي لدبلوماسية القصر الرئاسي قد ساهم في حل مشكلات عديدة للسودانيين في بلدان الخليج.. بعضهم من نجوم المجتمع رياضيين ورأسماليين.. ومواطنين عاديين.. والفريق “طه عثمان” الذي ساهم بجهد مخلص في إقناع أطراف النزاع مع رجل الأعمال “صلاح إدريس” بالتسوية الودية.. قد ساهم أيضاً في الإفراج عن السوداني المعارض صاحب موقع الراكوبة الذي أسسته واجهات الحزب الشيوعي والحركة الشعبية، وحينما قبضت السلطات السعودية على مؤسس الموقع وقبع في السجن لفترات طويلة تحدث “طه” لبعض المسؤولين في المملكة العربية السعودية لإطلاق سراحه.. فقط لأنه سوداني واجب حكومته الدفاع عنه حتى لو ظل هو يشهر سيفه في وجهها ويكيد إليها كيد الخائنين، وهناك عشرات المواطنين الذين تعثروا في متاهات السجون بلغتهم أيادي الفريق “طه” البيضاء.. وتتصل مساعي الرجل الفاعل جداً لتسوية قضية رجل أعمال شهير ظل ابنه يقبع في سجون إحدى الدول العربية منذ سنوات، تلك بعض من إشراقات الوزير “طه” فكيف لا تنتاشه سهام الحسد والغيرة والسعي لاغتياله بكل الطرق.. والخبائث والشكوك والظنون.. ولكن السؤال لماذا لا تنافح الدولة عن وزير ظل يتعرض لصنوف من الحروب القذرة؟
(4)
بح لي بسرك العميق
أنا أناجيك طول الليل
يا جزيرة الروعة وقبل أن يدركنا الخليج
وقبل أن يدركنا الصبح فنستفيق
عم صباحاً أيها الأصفى من الصفا
يا قطرات المطر الليلي يا حلو يا رفيق
أين “محمد المكي إبراهيم” الشاعر الذي جمل فضاءات السودان في ذلك الزمن.. هل جفت ينابيع الشعر.. أم أقعدته السياسة وأعجزته من نظم القوافي وصناعة الجمال!!.. أم الغربة في البلدان الباردة قد جمدت الحروف والقوافي.. وأصبح “ود المكي” يجتر فقط من ذكريات الماضي القديم.
وكل جمعة والجميع بخير

المجهر

Exit mobile version