نذر الخلاف بدأت خارج وداخل البرلمان التعديلات الدستورية.. شيطان التفاصيل يهزأ بمخرجات الحوار

من ينظر للتعديلات الدستورية التي أودعتها رئاسة الجمهورية كمقترح من رئيس الجمهورية المشير عمر البشير يظن للوهلة الأولى أنها ستمر بكل سلاسة ولن تجد معارضة كبيرة داخل البرلمان من واقع أن التعديلات ناتجة عن مخرجات وتوصيات الحوار الوطني فضلاً عن وجود أغلبية المؤتمر الوطني الكاسحة داخل البرلمان والتي تعمل على تمرير كل ما يرد إليها من الجهاز التنفيذي، لكن يبدو أن مقولة “الشيطان في التفاصيل” تأبى إلا أن تمد رأسها عند كل أمر يتطلب تغييراً في خارطة الحكم إذ أن اللجنة الطارئة لتعديل الدستور الانتقالي التي تم تكوينها داخل البرلمان وجدت في التفاصيل ما تختلف عليه خاصة فيما يتعلق بأمر استحداث منصب رئيس الوزراء فضلاً عن أن أصواتاً في لجان الحوار الوطني الذي يعتبر الأب الشرعي للتعديلات رأت أن التعديلات التي تم الدفع بها للبرلمان لا تكفي لتهيئة الوضع الدستوري لاستيعاب كل التوصيات التي تم الاتفاق عليها والبالغة أكثر من (900) توصية.

خلافات حول رئيس الوزراء
الخلاف حول منصب رئيس الوزراء داخل اللجنة الطارئة لتعديل الدستور الانتقالي لم يكن مرتبطاً باستحداث المنصب ولكن فى تفصيلات دقيقة تتعلق بمحاسبة رئيس الوزراء وحاكمية قراراته، وحسب مصدر عليم داخل اللجنة تحدث لـ(الصيحة) مفضلاً عدم ذكر اسمه فإن عدداً من أعضاء اللجنة دعوا لوضع أسس واضحة لمحاسبة رئيس الوزراء وأن يكون مساءلاً أمام البرلمان في قراراته التنفيذية بيد أن بعض أعضاء اللجنة كانوا يرون أن رئيس الوزراء سيكون مساءلاً أمام رئيس الجمهورية فقط وأشار المصدر إلى أن الجدل احتدم داخل اللجنة لدرجة طلب الاستعانة بتجارب دول أخرى لديها منصب رئيس وزراء وتخلط ما بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني كما يحدث في السودان، وأشارت رئيس اللجنة الطارئة نائب رئيس البرلمان د. بدرية سليمان في تصريحات صحافية عقب اجتماع اللجنة بالبرلمان الخميس إلى أن اللجنة دعت مقررتها لإحضار قصاصات من دساتير الدول التى تعتمد منصب رئيس الوزراء فضلاً عن اتخاذها قراراً بالاستهداء بآراء خبراء قانونين ودستوريين لوضع التفاصيل المتعلقة بمنصب رئيس الوزراء في التعديل الدستوري.

خبراء قانونيون
ويبدو أن الخلاف داخل اللجنة الطارئة يمتد أيضاً للتعديلات الأخرى والمتعلقة بتوسعة الهيئة التشريعية القومية لاستيعاب أعضاء جدد وفصل النيابة العامة عن وزارة العدل إذ تقول د. بدرية إن تعديلات الدستور جاءت من مقترحات قدمتها اللجنة التنسيقية العليا للحوار الوطنى استجابة لمخرجات الحوار مبينة أن لجنتها تعمل على دراستها خاصة مقترح توسعة الهيئة التشريعية القومية وفصل النيابة العامة عن وزارة العدل وأشارت بدرية إلى أن ضرورة التوافق داخل اللجنة اقتضت الاهتداء برأي الخبراء حول هذه التعديلات خاصة خبراء القانون في النيابة والسلطة القضائية ووزارة العدل والمحكمة الدستورية وقضاء الشرطة وقضاء المخابرات مبينة أن الأسبوع المقبل سيشهد دعوة الخبراء للاهتداء بآرائهم حول التعديل

تعديلات لا تعبر عن الحوار
وإن كانت التعديلات الثلاث التي وصلت إلى البرلمان تمضي بخلافاتها نحو التوافق عبر الاهتداء بآراء الخبراء إلا أن صوتاً من داخل الآلية التنسيقية للحوار الوطنى خرج ليغني أغنية خارج الكورال تقول كلماتها إن التعديلات التي أودعت البرلمان لا تشمل كل التوصيات وندد بإيداعها بواسطة المؤتمر الوطني منفرداً. وذلك ما قاله عضو لجنة الحريات ورئيس لجنة إسناد الحوار الوطني د. عمار السجاد الذي أصدر بياناً أمس حمل اعتراضاً من جزئين أولهما أن المؤتمر الوطني قام بإيداع التعديلات دون الأحزاب المشاركة في الحوار وثانيهما أن التعديلات لا تغطي توصيات الحوار كلها كاشفاً عن مواد أخرى في الدستور تحتاج إلى التعديل وقال “هذا ما يجعلني أضم صوتي لعدد من القانونيين السودانيين والمهتمين في أن مشروع التعديلات الدستورية الحالية لا يعبر عن قوى الحوار ولا جوهر قضية الانتقال وغير كافية للوصول إلى دولة القانون المنشودة عبر انتخابات حرة ونزيهة.

مواد تحتاج إلى تعديل
السجاد طالب قيادة الأحزاب والقوى السياسية والحركات المشاركة في الحوار لا سيما المؤتمر الشعبي بمراجعة توصيات الحوار الوطني وتبويباتها والدفع بالتعديلات الدستورية بما يتواءم مع روح التوافق الوطني، لافتاً إلى أن المادة (15) من الدستور الانتقالي والتي تتحدث عن الأسرة وحمايتها بالقانون والاعتراف بحق الرجل والمرأة في الزواج واضطلاع الدولة بحماية الأمومة ووقاية المرأة من الظلم وتعزيز المساواة بين الجنسين، فضلاً عن المادة (28) والتي تنص على توفير الدولة للحياة والكرامة والسلامة الشخصية، لكل إنسان والمادة (29) والتي تمنع اعتقال أي شخص أو حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون والمادة (30) التي تحرم الرق والسخرة وتمنع إرغام أي فرد على أداء عمل قسراً إلا كعقوبة تترتب على الإدانة بواسطة محكمة مختصة والمادة (31) التي تجعل الناس سواسية أمام القانون، دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون والمادة (37) التي تمنع انتهاك خصوصية أي شخص، وتحظر التدخل في الحياة الخاصة أو الأسرية لأي شخص في مسكنه أو في مراسلاته، والمادة (38) التي تعطي كل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة، والمادة (39) التي تعطي كل مواطن الحق في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات وتكفل حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي فضلاً عن المادة (40) التي تكفل لكل مواطن الحق في التجمع السلمي، وحرية التنظيم مع آخرين، وتحظر على أي تنظيم أن يعمل كحزب سياسي على المستوى القومي أو مستوى جنوب السودان أو المستوى الولائي ما لم يكن لديه عضوية مفتوحة لأي سوداني وبرنامج لا يتعارض مع نصوص الدستور وقيادة ومؤسسات منتخبة ديمقراطياً ومصادر تمويل شفافة ومعلنة، ويرى السجاد أن جميع هذه المواد تحتاج إلى تعديل استناداً على التوصيات بالأرقام (1، 2، 4، 6، 23، 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30، و31) من توصيات الحوار الوطني.

وقفة أخيرة
وإن كان ما قاله السجاد لا يعني اللجنة الطارئة لتعديل الدستور بالبرلمان كثيراً باعتبار أن البرلمان معني بالمقترحات التي تودع منضدته وكذلك لا يؤثر حديثه عن انفراد المؤتمر الوطني بإيداع التعديلات باعتبار التعديلات أودعت من رئاسة الجمهورية وليس المؤتمر الوطني خاصة وأن رئيس الجمهورية نفسه هو رئيس اللجنة التنسيقية العليا للحوار الوطنى غير أن الحديث عن تعديلات أخرى لمواءمة عدد من التوصيات أمر يحتاج إلى وقفة .

الخرطوم: محجوب عثمان
صحيفة الصيحة

Exit mobile version