خمس سنوات عجاف ..!

«لا تكون الدولة دولة إذا كانت ملكاً لفرد واحد» .. سوفوكليس ..!
قبل خمس سنوات قرأت إعلاناً لشركة طيران عالمية، يقول مخاطباً قارئ الصحيفة الخليجية الشهيرة التي احتل مساحة ثمينة من صفحاتها (سافر معنا إلى جوبا حيث إفريقيا الحقيقية، بكل ما لديها من أسرار تدعوك لاكتشافها .. إذا كنت من محبي الطبيعة تجول حول ضفاف النيل وشاهد قرص الشمس وقت الغروب! .. أو قم برحلة استكشافية لتتبع قطيع الظباء والحيوانات البرية التي لا تجدها إلا في القارة السمراء .. أما إذا كنت تفضل حياة المدينة فهناك الكثير من المطاعم، المنتزهات، والأماكن السياحية الجميلة) ..!
بطبيعة الحال صاحب الدار في تلك الدعوة العربية هو مواطن جنوب السودان الإفريقي، الذي فض شراكته التاريخية، وتبقي له منها إرث العلاقات التي كانت حتى عهد قريب عربية – عربية، وإن بحكم المجاز، قبل أن تصبح بين اتفاقية وضحاها عربية – إفريقية..!
بقيام دولة الجنوب – «أو تحولها إلى أفريقيا حقيقية، كما يقول الإعلان» – وجدت الدول العربية نفسها أمام حالة سياسية قانونية، فريدة، ينطبق عليها مبدأ خلافة الدول، وهو أحد فروع القانون الدولي التي شُرِّعَتْ لتسيير شئون الحالة التي تنشأ عندما تنقلب مقاليد السيادة في إقليم دولي منفصل، يمارس إعادة صياغة وجوده السياسي، في ثوبٍ قشيب..!
هذا التكييف القانوني – حلول دولة مكان أخرى في مسؤولياتها الداخلية، وفي علاقاتها الخارجية – كظل مأزق العلاقة بين الدول «العرب سلامية» ودولة جديدة – كانت تنتمي إلى إحداها يوماً قبل أن تصبح – علمانية الهوى، إفريقية الهوية ..!
صحيح أن السيادة انتقلت من الدولة السلف إلى الدولة الخلف، وأن الشمال بيِّن، والجنوب بيِّن، وبينهما حدود مشتبهات، يحمي علاقاتها الخارجية قانون دولي بقواعد على غرار مبدأ «احترام الوضع الإقليمي الراهن)»، وقاعدة «لكل ما في حوزته» .. ولكن ..!
مسائل قانونية بالغة الأهمية والتعقيد، صاحبت إعادة تعريف العلاقات العربية مع دولة جنوب السودان، مثل خلافتها على الجنسية والمعاهدات والممتلكات والمحفوظات والديون وعضويتها في المنظمات الدولية وقضايا الحقوق الخاصة والمكتسبة .. وكله في ظل قصور القواعد العرفية العامة – في القوانين الدولية واجبة التطبيق، عن احتواء كافة المسائل التي تثيرها خلافة الدول ..!
خبراء القانون يقولون إن محاولات تطوير قواعد دولية عامة في مجال خلافة الدول لم تحقق بعد نجاحها المرجو، فاتفاقية فيينا لخلافة الدول على المعاهدات للعام 1978 دخلت حيز النفاذ في نوفمبر 1996 وأطرافها 22 دولة فقط، بينما لم تدخل اتفاقية فيينا لخلافة الدول في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها للعام 1983 حيز النفاذ بعد! .. الأمر الذي قد يفرض بعض المواجهات المرتجلة مع التعقيدات القانونية للواقع الجديد ..!
التفنيد القانوني لهذا الشأن لا يكون بمعزل عن خصوصية الجانب الاجتماعي للقضية، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر، أقر في أحد مؤلفاته بخصوصية المشكلات السياسية والحروب الأهلية في القارة الإفريقية واعترف بفشل أي حلول خارجية لا يمكنها أن تراعي خصوصية الانتماء، وطبيعة الولاء، في تلك المجتمعات ..!
بعد خمس سنوات من تاريخ نشر ذلك الإعلان السياحي الجاذب انطبقت نظرية كيسنجر، خمس فنادق خمس نجوم بمواصفات عالمية شيدها الإسرائيليون كاستثمارات في دولة الجنوب، لكنها أصبحت خرابات تنعق فيها الغربان، وفر أصحابها إلى حيث ألقت .. وصدقت مقولة كسينجر ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة

Exit mobile version