دولة (تقلع) من أيدي الناس، دون مراعاة لإهلاك النسل والضرع وتوقف الإنتاج !

فيّ ضِيافة ثروة قوميّة !
-1-
بدعوة كريمة جاءت ( مصادفة ) دون سابق ترتيب من الباشمهندس عمر أحمدون ، زرته صباح أمس بمكتبه الأنيِّق بمصنع حلوب لانتاج الأعلاف ( بالسليّت ) بضواحي العاصمة السودانية الخرطوم ، امتطيت سيارتي وسلكت طريقاً طويلاً يتلوى شبه خال ٍ من المركبات يسلينيِّ في الطريق برنامج صباحي مُمتع يُبث من إحدى إذاعات الاف إم التي ينعم بها حصرياً سكان العاصمة المُدلليِّن ، ولا أعلم لماذا لاتقف الدولة داعمة لهذه الاذاعات لتسمعها جميع الولايات !
وصلت المصنع في وقتٍ مُبكرٍ من الصباح ، فُتحت أمامي بوابة المدخل الضخمة يسحبها أحد العُمال بنشاط ، حييّته ثم دلفت بدآبتي إلى مبنى المصنع الفسيح والذي يقوم على مساحة 15 الف متر مربع ، وركنتها بمواقف سيارات أنيّق مظلّة راقيّة كأنك داخل أحد المطارات الفخيّمة ! .
-2-
المبنى الإداري للمصنع قِمة في المظهر والمخبر أذهلتني بيئة العمل المُنعشة للنشاط ، و التي تشعرك كأنك في منتجع سياحيِّ تستنشق فيه هواءً عليلاً خالياً من الملوثات ، النوافذ الزجاجيِّة اللامعة تطلُ على المزارعِ المُخضرة والمسطحات الخضراء والأزاهيِّر و نوافير المياه ، أرضيات المبنى وسقفه تلمعان زاهيّة ، تُحدثك عن مدير عام لبق مهتماً بأدق التفاصيل لا مكان في قاموسه للإهمال ، قضيت ساعات شعرت كأنني في مصيَّف بدولة اسكندنافية مُريحة للاستجمام .
العمل يسير كعقارب الساعة بفريق تم اختياره بإتقان ، الهدوء يعم المكان كل ما حولك الكترونياً فلاترى إلا وميّض ( الماوسات ) .
وجدت نفسي أمام شخص يصلح أن نقدمه نموذجاً للنجاح في زمان الإحباطات ، هذا الشاب المتواضع الأنيق الفارع القامة م. عمر أحمدون ، ثروة من العقل المتفتح الذكي ، شاب يمتليء حيوية ونشاط ، وتفكير متقدم برؤيه ثاقبة تنظر في آخر من توصل له العلم في العالم الحديث ، سألته من أين أتيت بهذه الأفكار المُبدعة أجابني إستفدت من أي دولة زُرتها حول العالم وسخرت خبرتي في هذا المكان .
-3-
حقيقة عقلية إستثمارية متقدمة ناجحة ، ومُنتجة تبدع في صمت بعيداً عن الاضواء .
الباشمهندس عمر أحمدون هو من قفز لزراعة 10 آلاف فدان إبان توليّه إدارة الزراعة في سد مروي بدرجة ( وكيل وزارة ) بقرار جمهوري ، ولم يصل أحد بعده ولاقبله في زراعة مساحة شاسعة منتجة بهذا الحجم حتى الآن !
ومن سوء حظ بلادنا أن المنجزين لايدعونهم أن يواصلون و الفاشلون يعمرون !
شاب صاحب إرادة متطلعة للامام يُعد أول من أدخل زراعة البطاطس بكميات استثمارية مهوولة في تُربة مهجورة بشمالي السودان .
هذا المصنع الحديث لإنتاج الاعلاف أُنشأ ليرفد الاقتصاد القومي بتلبية حاجة مُربيّ الماشية بأنواعها في السودان وكذلك الطيور الداجنة والأسماك ، بعلف مُصنّع من الموارد المتاحة بالسودان بمواصفات علميّة وأحدث ما توصلت إليه التقنيات ، ليحقق كفاية للداخل ويُصدر الفائض إلى الخارج .

-4-
نناشد الدولة أن تدع هؤلاء الشباب أن يبدعوا وينتجوا وتشجعهم على الإستثمار بدلاً عن اللهث وراء ماهو أجنبي يُمنح كآفة التسهيلات في منافسة غير عادلة مع المحلي من الإستثمار .
ولتكُف أيديها عن هذه الجبايات الباهظة المُحبطة والمعطلة للانتاج والتي تجعل رؤوس الأموال هاربة إلى تجارة العُملة المضرة بالاقتصاد !
قبل أيام حدثني صديقي الخلوق ( هشام ) المدير العام لفندق الزهرة الجديدة ، عن الضرائب الباهظة و الجبايات التي تُفرض عليهم والتي تنوء بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ، تُشعرك بأن هذه الدولة ( تقلع ) من أيدي الناس ، دون مراعاة لإهلاك النسل والضرع و توقف الإنتاج !
التجربة الإستثمارية الناجحة هذه بإنشاء مصنع حديث يوفر للدولة رهق الاستيراد ونزيف العملة الصعبة المُهلكة للاقتصاد ، ويدعم المنتجين بأجود الأعلاف ، أحق أن تجد الدعم والتشجيع والإعفاءات من هذه الأتاوات ، لينعكس ريعها برداً وسلاماً على المُنتج ومن ثم على الإقتصاد .
سوداننا ولُود وحُق لنا أن نفخر به إذا كان يطرح مثل هذه القامات الشابة المنتجة الناجحة التي تفكر في مشاريع ( اقتصاد حقيقي ) مُثمر ومنتج يدعم البلاد . والله المستعان

بقلم: محمد الطاهر العيسابي

حلوب

Exit mobile version