مصر يا أخت بلادي يا شقيقة!

يعلم الجميع أن السودان دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أراضيها وشعبها وفقاً للأعراف السياسية والقوانين الدولية ذات الصلة. ومن هذا المنطلق يحق لحكومة السودان، أياً كانت، ممارسة تلك السيادة دون تدخل من أي جهة خارجية مهما كان الحال؛ كما يحق لها أيضاً اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مواطنيها من أي أمر من شأنه أن يسبب لهم الضرر في كافة المجالات الصحية

والمعنوية والاجتماعية. ويكون اتخاذ تلك التدابير أكثر إلحاحاً عندما يكون الوضع متعلقاً بصحة المواطن وسلامته على المدى القصير والبعيد! وهنالك جهات مختصة رسمية، مثل هيئة المواصفات والمقاييس السودانية ومراكز البحث العلمي، والأمن الاقتصادي، وأخرى شعبية مثل جمعية حماية المستهلك واتحاد المستوردين والمصدرين، يحق لها المشاركة في اتخاذ القرارات ذات الصلة، إذا رأت أن هنالك ثمة مهددات قد تطال الصحة العامة أو البيئة أو حتى صحة المستهلك الفرد؛ لأنها معنية بهذا الشأن بحسب طبيعة عملها والأنظمة والقوانين التي تعمل بموجبها. في هذا الصدد، اتخذت الحكومة السودانية، كغيرها من حكومات دول الجوار، قراراً بوقف استيراد الفواكه والخضار والأسماك، سواء كانت طازجة أو مجمدة أو مبردة، من مصر. وهذا بكل تأكيد إجراء طبيعي ومطلوب بعد أن ثبت علمياً وبالدليل القاطع، بعد الفحص والتحليل، أن تلك المنتجات المصرية تروى بماء المجاري الملوث وهي بالتالي مضرة بالصحة ولا تصلح للاستهلاك البشري ولا حتى الحيواني. ولكن ارتفعت أصوات محتجة بشدة في مصر على هذا القرار الذي حرم المنتج المصري، حسب زعم وسائل الإعلام المصرية، من مبلغ يعادل ملياري دولار أمريكي! وهذا بكل تأكيد مبلغ تسيل له لعاب كثير من الناس في أرض الكنانة، دون مراعاة لصحة المستهلك في جنوب الوادي، مع الأسف الشديد إن الشقيقة مصر، كما يعلم الجميع، لا تكتفي فقط بتصدير المنتجات الفاسدة وغير الصالحة للاستخدام البشري بل تعمد أحياناً لتصدير الأدوية الفاسدة ومنتهية الصلاحية وغير المطابقة للمواصفات الطبية لبعض الدول الإفريقية ومنها السودان مستغلة بعض الثغرات في تعامل تلك الدول مع الملفات التجارية أو فساد الذمم في أحايين كثيرة؛ ولذلك لا غرو أن يَسْتَمْرِئُ المصدر المصري هذا الأسلوب غير الأخلاقي الذي يتنافى مع أبسط قواعد الصدق والإخلاص في التبادل التجاري والعلاقات التجارية بين الشعوب. ولماذا تحتج مصر بهذا الأسلوب الصارخ مع الاستخفاف بالسودان حكومة وشعباً؟ فقد جاء على لسان أحد مقدمي البرامج في قناة تلفزيونية مصرية قوله: (حتى السودان تمنع دخول المنتجات الزراعية المصرية إلى أراضيها، يا نهار أبيض، هو دا أسمه كلام يا جدعان؟) يا سيدي حكومة السودان من واجبها أن تحافظ على صحة مواطنيها وأن تتخذ في هذا الصدد ما تراه من قرارات وأنت “مالك يا جدع أنت؟ ومن هنا نقول لإخوتنا أبناء النيل أن هذه النظرة الدونية يجب أن تتغير؛ لأن السودان لم يعد ذلك البلد الذي غزاه محمد علي باشا في عام1821، يجب أن يكون هذا مفهوماً وواضحاً لدى وسائل الإعلام والصحافة في مصر! وهنالك سؤال يطرح نفسه بإلحاح: لماذا يستورد السودان الفواكه من مصر أصلاً ولدينا منتجات محلية ذات جودة عالية تزرع في كل ربوع السودان من كسلا شرقاً حتى جبل مرة غرباً ومن أبو جبيهة في الجبال الشرقية حتى المديرية الشمالية، وكل هذه منتجات عضوية تسقى بماء نقي وكل ما هو مطلوب تطوير وسائل النقل والتخزين والتعبئة وتحسين الإنتاج وزيادة الإنتاجية إن المصدرين المصريين بهذه “الفهلوة” وسوء التقدير والتعامل غير الشفاف يخسرون سوقاً واسعة تمتد عبر البر الإفريقي من الإسكندرية شمالاً حت جوهانسبرج في أقصى جنوب القارة السمراء، وينبغي لهم ألا يلوموا إلا أنفسهم فهم الذين تسببوا في ذلك. من جانب آخر، تستورد مصر منتجات عضوية ذات جودة عالية من السودان تشمل اللحوم والفول السوداني والسمسم وحب البطيخ وغيرها من المنتجات السودانية المطلوبة في كثير من الأسواق العالمية، وتقوم مصر بتغليفها وإعادة تصديرها على أنها منتجات مصرية وتجني من وراء ذلك أموالاً طائلة من العملات الأوروبية، مستغلة الحظر الاقتصادي المفروض على السودان وغفلة الجهات المسؤولة وتواطؤ وجشع بعض المصدرين في السودان! إن السودان أولى بعائدات منتجاته ولذلك نرجو من الجهات ذات الصلة إعادة النظر في علاقاتنا التجارية مع الشقيقة مصر، حفاظاً على دخلنا القومي وتشجيعاً لمنتجاتنا وتحفيزاً لمنتجينا عبر سياسات رشيدة من شأنها أن تعيد التوازن لميزان المدفوعات وحركة التجارة بين مصر والسودان، وتضع حداً للاستهزاء بصحة المواطن السوداني الكريم. إن بعض المسؤولين والإعلاميين في شمال الوادي لا يزالون ينظرون إلى السودان على أنه تابع للتاج الخديوي؛ ولذلك لا بأس عندهم أن يرموا بهذه المنتجات الفاسدة في السوق السودانية، غير مبالين بصحة إخوانهم السودانيين! على كل حال إن القرار الذي اتخذته الحكومة السودانية هو قرار صائب ويجب أن يظل قائماً حتى ينصلح حال المنتجات المصرية وتصبح مطابقة للمواصفات العالمية وتعود حلايب سودانية.

محمد التيجاني عمر قش
الانتباهة

Exit mobile version