الأزهرى يلقن الإنجليز درسا قاسيا .. رجال بهامات الجبال

عندما ذهب الوفد السودانى فى الخمسينات لمقابلة ملكة بريطانيا والتفاوض مع صاحبة الجلالة على استقلال السودان وخروج الإنجليز برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهرى .. تعمد الأزهرى الجلوس على عرش وكرسى الملكة البريطانية .. مما أصاب مسئول المراسم الملكية بالدهشة والارتباك والحرج .. فدنا من الزعيم الأزهرى يحدثه بأدب وبصوت خفيض لقد أخطأت ياسيدى الرئيس فى البروتكول هذا كرسى الملكة صاحبة العرش!! فانتفض الأزهرى شامخا يزار كالاسد وهو يوجه كلامه لكل الحضور بصوت جهوري طلق وانجليزية سلسلة سليمة : لا يا ابنى انا لم ارتكب خطأ بروتكوليا كما زعمت .. لقد تعمدت الجلوس على كرسى عرش مملكتكم لكي اثبت لكم أيها البريطانيين وأثبت للجميع إنكم لا تطيقون جلوسى على مجرد كرسى يرمز للعرش ولو لبضع دقائق … بينما تعطوا أنفسكم الحق فى الجلوس على عرش بلادى خمسة وخمسون سنة دون وازع أو ضمير .. ثم قام ليجلس على الكرسى المخصص له بعد أن دوت القاعة بالتصفيق من الجانبين السودانى والبريطانى …..
وفى اليوم التالى صدرت الصحف البريطانية وعلى رأسها التايمس والديلى والقارديان وفى مقدمتها وفى الصفحة الأولى مانشتات وبالخط العريض : الزعيم الأزهرى يلقن الإنجليز درسا قاسيا …
بالله عليكم فى أرجل من كده .. ولا فى سياسى اروع واذكى من كده … ولا فى ود مقنعة غير هذا الاسد السودانى يقدر يجلس على كرسى وعرش ملكة بريطانيا أكبر إمبراطورية عرفها العالم فى ذلك الزمان …
السودان بلد عريق أنجب ومازال ينجب العباقرة والافذاذ فى شتى المجالات .. والمفروض نحن نفتخر ونحتفى بهؤلاء الأبطال بدلا من تبخيسهم وتحقيرهم … ويحزننى كثيرا كلام بعض أبناء الوطن عندما يتحدثون عن التأريخ وكأنهم ليسوا بسودانيين .. والحديث عن الأزهرى يحتاج لمجلدات ولكننى ساختم لكم بموقف لا أعتقد أنه يتكرر فى مثل هذا الزمان .. حكى سواق الزعيم الأزهرى انه خرج معه فى مشوار الساعة الخامسة مساء ولم يكن يعرف وجهته إلى أين حتى وجد نفسه أمام قهوة يوسف الفكى بامدرمان …. وطلب منه الزعيم التوقف هنا … لماذا لا أدرى ؟ وعندما رأى يوسف الفكى عربة الرئيس جاء مهرولا إليه يسلم عليه ويحيه … فيبادره الزعيم الأزهرى : دينى 30 جنيه ؟ يقول السائق والله كاد أن يغمى علي .. زول نزل علمين عشان يرفع علم السودان يجى يستدين 30 جنيه من سيد قهوة ؟ لا وكمان اعتذر صاحب القهوة انه ليس معه هذا المبلغ الآن؟ ويعود الزعيم دون أن يحصل على هذا المبلغ الزهيد والذى كان يريد أن يدفع منه راتب السواق 10 جنيه والطباخ خمسة جنيه والغسال 2.5 …
ما هذا النبل وما هذا الصدق وما هذه الأمانة … زول يجلس على كرسى العرش البريطانى ويأتى باستقلال السودان ويموت معدم فقير !!! ديل أولادك ياوطن وديل رجالك يا وطن .. ديل البستحقوا التقدير والتكريم والذكر والثناء والخلود والتدوين .
الله يرحمك يا زعيم بقدر ما قدمت لوطنك وامتك .
وفى عليين يا رب .

بقلم

Exit mobile version