انهيار العملة في جنوب السودان يعمّق التضخم

تعيش دولة جنوب السودان أوضاعاً اقتصادية بالغة الصعوبة بفعل انهيار العملة المحلية، ما خلف موجة تضخم واسعة، فيما تتعثر رواتب موظفي الدولة بمن فيهم العسكريون، منذ أشهر.

وقفز الدولار الأميركي إلى قرابة 150 جنيها جنوب سوداني في تعاملات الأسبوع الجاري بالسوق الموازية، مقابل 3.7 جنيهات في أواخر عام 2014، ما يعني أن العملة المحلية لجنوب السودان فقدت نحو 40 ضعف قيمتها في أقل من سنتين ونصف سنة.

وقالت مجلة الإيكونوميست البريطانية في تقرير قبل أسبوعين، إن انهيار عملة جنوب السودان يكمن في أمرين: طباعة الأوراق النقدية (البنكنوت)، وانهيار اقتصاد جنوب السودان الذي يعد الأقل تنوعا من حيث المصادر في العالم، حيث مثّل النفط عام 2014 نسبة 99.8% من عائدات الصادرات.
ومع هذا الانهيار في سعر الصرف، تقفز أسعار السلع الغذائية بشكل شبه يومي، حيث وصل سعر جوال السكر زنة 50 كغم، إلى قرابة 6 آلاف جنيه، وسعر جوال الدقيق إلى 8 آلاف جنيه، بزيادة تتجاوز 10% لكل منهما خلال الأسبوع الماضي فقط. ووصل سعر كيلو الطماطم إلى مائتي جنيه والبامية إلى 240 جنيها، بعدما كانت لا تتجاوز أسعارها بضعة جنيهات قبل نحو عامين.

ويتزامن انهيار العملة مع عدم صرف رواتب كثر من موظفي الدولة، ما أصاب الأسواق بركود إضافي أحدثه التضخم.

أزمة في الأسواق

وعزا تجار ارتفاع الأسعار إلى تدهور الجنيه أمام الدولار الأميركي بجنوب السودان. وقال محمد، وهو تاجر جملة في سوق “كونغو كونغو” (أكبر الأسواق في العاصمة جوبا) إن ارتفاع الدولار في السوق السوداء تسبب في ارتفاع أسعار السلع، إذ يعتمد البلد على الاستيراد لتغطية أغلب احتياجاته من السلع الأساسية.

وقال نائب رئيس الغرفة الزراعية والصناعية والتجارية لجنوب السودان، لادوا لوكاك، لـ “العربي الجديد”، إن الأزمات السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد مؤخرا أثرت كثيراً على الاقتصاد، وبصورة مباشرة على الأسواق، خاصة في ظل انعدام النقد الأجنبي.

وأضاف أن الغرفة التجارية لا تتدخل في تسعيرة البضائع بالأسواق كما لا يُسمح لها بتقييد التجار بأنماط تجارية محددة، على اعتبار أن السوق حرة.

وقال إن الحكومة تدخلت عندما ارتفعت الأسعار، حيث طلبت من التجار تخفيض أسعار السلع في الأسواق واتفقت مع التجار على أن تساعدهم على تسعيرة العملات الأجنبية ولكن الحكومة لم تف بذلك ولم توفر الدولار اللازم للاستيراد.

تضييق حكومي

واتخذت حكومة جنوب السودان عددا من القرارات التي أسهمت بشكل كبير في تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية، أولها، وفق مراقبين، زيادة رسوم تصاريح العمال الأجانب إلى 10 آلاف دولار سنويا للعامل.

وقد أثر هذا القرار على قطاع رجال الأعمال والتجار الذين يستعينون بخبرات أجنبية في مؤسساتهم، الأمر الذي أدى إلى خروج معظم التجار الكينيين والأوغنديين والسودانيين من السوق الجنوبي.

وأعلن البنك التجاري الكيني مؤخرا عزمه الانسحاب من دولة الجنوب بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتأزمة.

وقال مدير البنك غشوا أوجيرا، إن الحرب الدائرة بالجنوب رفعت التضخم إلى 4000% الأمر الذي جعل البنك ينظر بجدية إلى قرار الانسحاب من الأسواق الجنوبية، مضيفا أن خسائر البنك بسبب ارتفاع معدل التضخم بالجنوب بلغت 3.4 مليارات شلن كيني (33 مليون دولار أميركي).

استثمارات غامضة

وفي الوقت الذي تؤكد المعارضة بقيادة النائب السابق للرئيس السوداني، رياك مشار، أحد طرفي النزاع في الدولة الوليدة، فرض كامل سيطرتها على حقول النفط وبخاصة تلك التي في ولاية الوحدة، تنشر جوبا أخبارا تفيد باستثمار عدد من الشركات الإقليمية والدولية لديها، مبشرة بتدفقات نقد أجنبي تساهم في استقرار الأسواق ومكافحة التضخم.

وقالت جوبا قبل أيام، إنها جددت تصاريح التنقيب وإنتاج النفط لثلاث شركات، لمدة خمس سنوات جديدة، وهذه الشركات هي: الشركة الوطنية الصينية للنفط وشركة بتروناس الماليزية وشركة النفط والغاز الطبيعي الهندية.

إلا أن غياب التفاصيل بشأن هذه الاتفاقيات وكذا عدم نشر أي من هذه الشركات تفاصيل بشأن هكذا اتفاق، أثار شكوك مراقبين، حيث اعتبر بعضهم أن إعلان جوبا هذه العطاءات، هو مزايدة سياسية الغرض منها إظهار حالة من الأمن والاستقرار في البلاد.

في المقابل، تقول المعارضة، إن حقول النفط ملك لها وإنها خط أحمر لا يجوز للشركات أن تتجاوزه، مؤكدة أن عملية استئناف العمل في حقول النفط، هي إجراء شديد الارتباط بتسوية سياسية في البلاد.

العربي الجديد

Exit mobile version