فوبيا العثمانية الجديدة ..

لا يمكن تبرير الخوف والذعر والضغينة السياسية في نفوس الأوروبيين من الديمقراطية في نسختها التركية وممارستها بمنطقها وعلى الهواء الطلق ، إلا بما يجتاح أوروبا القديمة من استرجاعات تاريخية ،

وترى ثمارها اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كأنها تردد صدى حوافر خَيل الإمبراطورية العظيمة وهي تضرب أبواب فينا وكبرى الحواضر الأوروبية وكانت سنابك الخيل يومئذ تتوقد كالنيران..

> منذ ظهور طيب رجب أردوغان في الساحة السياسية التركية ، وثلة من قيادة التيار الحديث الذي يمثله ، ضجت قاعات في مراكز أبحاث ودراسات سياسية وإستراتيجية وتناقلت ملفات وتطايرت تقارير في عدة عواصم أوروبية وغربية وآسيوية تحذر من الحلم العثماني الذي يفرد جناحيه في الفضاء التركي ، وكانت ثمة حقائق تتبدى في الأفق المشحون بالهواجس أن التاريخ العثماني المجيد سيعود لكنه بربطة عنق أنيقة وزي فاخر وبدلة من ايف سان لوران، ولَم تصدق تلك التنبوءات فقط، بل سرعان ما انتبهت تركيا كلها الى أن أهم عناصر قوتها هو تاريخها وكبرياء الماضي المتطلع الى مدارات المستقبل ، فكلما اكتسح حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، كان الصوت يعلو في كل مكان أن تركيا تنتخب حضارتها وتختار ذاتها ومكوناتها ، لا لتعود للماضي ولكن لتتقوى به في الحاضر وتطوره وتستفيد منه للمستقبل ، وتحصن أجيالها المقبلة من أن تُفترس هويتها وتُسلب منها أعرافها وتقاليدها ومكامن وخصائص قوتها السياسية والثقافية والاقتصادية .

> اليوم تكتمل حلقة مهمة من حلقات التحديث المستند الى صخرة التاريخ ، تُعتمد وتُجاز التعديلات الدستورية التركية وينتهي جدل قرنين من الزمان كما أشار الرئيس التركي أمس عقب إعلان نتيجة الاستفتاء، وحسمت الخيارات المتعددة في كيفية إدارة الدولة وتوطيد أركان وركائز السلطة والقوة فيها ، خاصة ما يمنع التنازع والاختلال واعتلال بنية الدولة وسلامتها ، وكأن حقباً ستُطوى وتطل أزمنة جديدة لن تكون فيها تركيا كما كانت .
> اذا كانت المخاوف في أوروبا من تركيا الجديدة وراء الهجمة الإعلامية والسياسية الشرسة التي ثارت مؤخراً وحاولت وضع العراقيل أمام قيام الاستفتاء ومنعت المسؤولين الأتراك من دخول أراضيها لمخاطبة الجاليات التركية وعددها بالملايين في الأراضي الأوروبية ، فإن القارة العجوز تتحسس أجزاء من جسدها الذي ذاق لسعات تركيا عندما كانت إمبراطورية تزحم البحار والهضاب والسهول ..راياتها مرفوعة وجيادها موصولة بجياد ..

> المشهد بعد الاستفتاء ، يبدو أكثر أهمية من أي وقت مضى يتردد صداه في البلقان والقوقاز والعمق الأوروبي حتى أقصاه الشمالي والغربي ، حيث تبدو الحيرة من تحولات في الجغرافيا السياسية والأبعاد الإستراتيجية ، في المنطقة الأكثر خطورة في العالم والأكثر تأثيراً في الواقع الدولي.
> إن تركيا الجديدة اليوم وإن اتهمت من خصومها بالعثمانية الجديدة ، فإنها بلا شك ماضية في طريق اختطه بحذق ودراية وهي تعلم أن للتاريخ أحياناً كرتين يعيد فيهما نفسه ويتمطي في المدى الزمني الجديد أمامه ويملأ الفراغ. .

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version