هذا ما سيحدث إذا التقى الديكتاتور كيم جونغ بالرئيس الأميركي ترامب؟

في إحدى الزوايا، يقف الديكتاتور الذي لا يمكن التنبؤ بأفعاله، والحاكم المنتمي للجيل الثالث من عائلةٍ تحكم كوريا الشمالية، التي تشتهر منذ سبعة عقود بسمعتها غريبة الأطوار، وسرعة استيائها وإصرارها على أنها تمتلك قوةً كافية لسحق الكوكب بأسره.

وفي الزاوية الأخرى، يقف رئيسٌ أميركي، لديه لسانٌ حاد لم يمتلك مثله أي رئيسٍ من قبل، أمضى أول 100 يومٍ له بالكاد كقائدٍ للعالم الحُر، ويمكنه قول أي شيءٍ تقريباً، بما في ذلك بضع كلماتٍ استرضائية في أكثر اللحظات غير المتوقعة.

ويوم الإثنين، 1 مايو/أيار 2017، خرجت بعض هذه الكلمات الاسترضائية من فم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما في ذلك كلماتٌ استثنائية في حق الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي لطالما كان عُرضةً للاحتقار والانتقاد من أميركا. وذلك وفقاً لما نشرته وكالةأسوشيتد برس الأميركية.

إذ مدح ترامب نظيره الكوري الشمالي قائلاً: “من الواضح أنَّه شخصٌ ذكيٌ جداً”.

بل والأكثر من ذلك أنَّه قال: “إذا سنحت لي الفرصة لمقابلته، سأتشرف بذلك بكل تأكيد”. وذلك في تصريحاته لوكالة بلومبيرغ الدولية للأنباء.

وبعدها تساءل العالم متعجباً: ماذا إذا حدثت بالفعل هذه المقابلة؟.

وقال ترامب في مقابلة مع “سي بي أس نيوز” بمناسبة 100 يوم في منصبه: “الناس يقولون إنه عاقل؟ ليس لدي أي فكرة. أستطيع أن أقول لكم إنه كان شاباً في السادسة والعشرين أو السابعة والعشرين من عمره عندما تولى السلطة خلفاً لوالده”.

وأضاف: “إنه محاط بعدد كبير من الجنرالات والمسؤولين الكبار. إنه يتعامل مع قضايا صعبة للغاية، لكنه كان قادراً على تولي السلطة في سن مبكر جداً”.

ومضى ترامب يقول: “إن الكثيرين ممن كانوا حوله حاولوا إبعاده عن السلطة، سواء أكان عمه أو أي شخص آخر، إلا أنه كان قادراً على القيادة. من الواضح أنه شخص ذكي جداً”.

وحرص ترامب خلال المقابلة على التأكيد على أنه بتلك التصريحات، لا يثني على الدكتاتور الكوري الشمالي، مشيراً إلى أن توليه السلطة في مثل هذه الظروف كان أمراً صعباً.

وأثارت تصريحات ترامب موجة من التكهنات بشأن رغبته في إيجاد أرضية مشتركة مع خصمه، وفتح قنوات دبلوماسية مع الزعيم الكوري الشمالي، حسب تقرير لسكاي نيوز عربية.

هتلر وروزفلت

تقرير أسوشيتدبرس اعتبر أنه بالنظر في سجلات التاريخ الدبلوماسي، فحدوث مقابلةٍ مباشرة بين هذين الزعيمين هو حدثٌ يقع في فئةٍ تضم القليل من الأحداث المشابهة.

فهناك مقابلاتٌ لم تحدث أبداً وجهاً لوجه، ومنها مقابلة روزفلت مع هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، ومقابلة صدام حسين مع جورج بوش (سواءٌ الأب أو الابن) في مكتبهما. وهناك مقابلاتٌ أخرى عُقِدَت بالفعل، كلقاء جون كينيدي مع نيكيتا خروتشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي الأسبق، في فيينا، وذهاب ريتشارد نيكسون إلى بكين في بداية فترة إذابة الجليد المتراكم على العلاقات الأميركية – الصينية، وتوجُّهه فوراً للقاء ماو تسي تونغ، الرئيس الصيني الراحل.

ومع ذلك، فحتى هذه المقابلات عُقِدَت قبل اختراع العديد من الأشياء التي نحظى بها الآن، ولعل أبرزها هو الإنترنت، والبث المباشر، ووسائل التواصل الاجتماعي الفورية التي يعرفها ترامب، ويُسيء استخدامها للغاية.

وتُعد فكرة إجراء مقابلةٍ حقيقية بين اثنين من ألد الأعداء على مدار التاريخ احتمالية صاعقة، وكابوساً لوجيسيتاً محتملاً إذا أبدت الدولتان أي محاولةٍ لتحقيق ذلك.

وبافتراض أنَّ عبارة ترامب مجرد بالون اختبار أُخِذَ على محمل الجد، ما الذي يتطلبه إجراء مقابلةٍ كتلك في الواقع؟ يمكن تحديد الخطوط العريضة لهذه المقابلة على النحو التالي:

المكان

قد تضم قائمة الأماكن المحتملة المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، وسيكون اللقاء بهذا الشكل مشهداً سينمائياً بارعاً طبقاً للاعتبارات الجيوسياسية، مع غرفةٍ مزوَّدة بطاولة مفاوضات يقع نصفها في كوريا الشمالية، ويقع نصفها الآخر في كوريا الجنوبية.

وتكمن الميزة من هذا المكان في توافر عوامل التأمين الموجودة به حالياً. فهو بالفعل نواة أكثر البقاع توتراً على سطح الكوكب، ومُجهَّز بكفاءة لاستضافة مثل هذه الفعاليات. وربما تُجرَى المقابلة في أحد الأماكن بالصين، مع أنَّ ذلك احتمالٌ بعيدٌ جداً.

ولكن هل يمكن إجراء المقابلة في مكانٍ آخر؟ هل ستُجرَى في سويسرا التي تشتهر بحيادها، حيث يكاد يكون كيم جونغ أون، الذي لا يسافر في الوقت الحالي إلا نادراً، قد قضى جزءاً من طفولته أثناء التحاقه بإحدى المدارس هناك؟ هل يُمكن أن تُجرَى حتى في البيت الأبيض، حيث أثار ترامب جدلاً باستقباله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هناك، وبدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارته، اللذين تراهما الدول الغربية بعيدين عن القيم الأميركية.

قد يُثير ذلك الكثير من الجدل، والأكثر من ذلك أنَّه غير مُرجَّح، فمجرد حصول كيم على تأشيرة دخول أميركا هو افتراضٌ غريب، ولكن حدثت أشياء أغرب من ذلك على مر التاريخ.

أو ربما قد تحدث مثل هذه المقابلة في مكانٍ غير متوقع أو مجهول. ففي عام 1898، التقى جورج بوش الأب بميخائيل غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي الأسبق، على متن سفينةٍ قبالة سواحل جزيرة مالطا، لمناقشة التغيّرات التي كانت تحدث آنذاك في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، وقد تسبب ذلك في الإساءة لسُمعة الجزيرة الصغيرة التي تُطل على البحر المتوسط لعدة أعوام.

وكانت مالطا نفسها قد ارتبطت بدرجةٍ ما بمؤتمر يالطا الأسطوري، الذي عُقد بين قادة قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، روزفلت، وونستون تشرشل، وجوزيف ستالين، بشبه جزيرة القرم في مطلع عام 1945، لرسم خارطة طريق لأوروبا في مرحلة ما بعد الحرب.

أميركا

وكانت الولايات المتحدة نفسها في وقت من الأوقات مكاناً لعقد مثل هذه المقابلات الحساسة، إذ وُقِّعَت اتفاقية كامب ديفيد في أميركا التي جرت فيها محادثات السلام تحت إدارة جيمي كارتر بين مناحم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وأنور السادات، الرئيس المصري الأسبق.

وهناك تاريخٌ طويلٌ من المقابلات التي تندرج تحت هذا النوع نفسه، ففي عام 1905، ساعد ثيودور روزفلت، الرئيس الأميركي الأسبق، في الوساطة لإرساء مفاوضات السلام بين الدولتين المتقاتلتين آنذاك، روسيا واليابان، في مكانٍ كان مُستبعداً أن تُجَرى فيه أي محادثات، والذي تمثَّل في بلدة نيو إنغلاند الصغيرة. ومنذ وقتٍ قريب، استضافت مدينة دايتون، التي تقع في ولاية أوهايو، والتي لم يكن مُرجَّحاً أن يُعقد بها أي محادثات أيضاً، عام 1995 محادثات السلام لإنهاء حرب البوسنة والهرسك. ولكن في كافة الحالات السابقة، كانت الصراعات ناشبةً بين دول أخرى، ولم تكن الولايات المتحدة نفسها طرفاً في تلك الصراعات.

وماذا عن بيونغ يانغ كمكان للقاء، فهناك أمثلةٌ مُسبقة على ذلك، من المبعوثين الأميركيين لهناك مثل مادلين أولبرايت، وأحد رؤساء وزراء اليابان السابقين، ودينيس رودمان، نجم كرة السلة الأميركي الذي تلاشت شهرته بعد الاعتزال، إذ أنَّ الرئيس كيم وحاشيته غير معروفين بحبهم للسفر خارج كوريا الشمالية، الذي يُبعدهم عن موطن قوتهم، وعن المواقف التي يمكنهم السيطرة عليها سيطرةً تامة.

وبغض النظر عن المكان الذي سيستضيف المقابلة، باستثناء إجرائها في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، فقد تُغيِّر مقابلة ترامب وكيم التي تحمل نسبةً عالية من المخاطر، ويجب أن تحظى بتأمينٍ كبير، معالم مكان إجرائها لفترةٍ طويلة، إن لم تغيرها للأبد.

الموضوعات

قد تظنون أنَّ نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية سيكون أول الموضوعات المطروحة على طاولة النقاش، ولكن في ظل وجود رئيسين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهما، لن يستطيع أي شخصٍ التأكد تماماً مما سيحدث.

وفي ظل الأسلوب الذي ينتهجه ترامب حتى الآن، ربما يحتاج الأمر لبعض الوقت لتحسين العلاقة بين الرجلين بدرجةٍ ما قبل بدء أي مفاوضات، ولكن الموضوعات الرئيسية ستُطرَح بالتأكيد قبل مرور وقتٍ كبير.

ومن بين تلك الموضوعات تقديم المعونات لكوريا الشمالية، التي لطالما اعتمدت على سياسة التهديد من قبل سعياً للحصول على المساعدة لدعم فقرائها، الجوعى في بعض الأحيان. فضلاً عن العلاقات بين الكوريتين، واختبارات الأسلحة، وإطلاق الصواريخ، ولا سيما النووية منها، والتي أقلقت الولايات المتحدة، والصين، وكوريا الجنوبية بالتأكيد، قلقاً شديداً.

ردود الأفعال

قد تضم هذه المقابلة أطرافاً معنية أخرى مثل كوريا الجنوبية، وروسيا، وبكل تأكيد، الصين، التي ظلت مُناصرةً لكوريا الشمالية على مدار عدة عقود، والتي صارت، مؤخراً، جارةً يزداد انزعاجها وحذرها من سياسات كوريا الشمالية.

وبالنسبة لكوريا الجنوبية، تُمثِّل هذه المقابلة قضيةً وجودية. إذ يعرف معظم المتابعين أنَّ ترسانة كيم تتمتع بدقة وقوة نيران كافيتين لحرق كوريا الجنوبية عن بكرة أبيها. ولذلك، ستكون للمقابلة بين الولايات المتحدة، وهي الحامي العسكري لكوريا الجنوبية، وكوريا الشمالية تداعيات أمنية محورية على سول، حتى إذا لم تُطرح أي موضوعاتٍ للنقاش فعلياً في هذه المقابلة.

أمَّا بالنسبة للصين، فهي تأخذ حذرها من أي تدخلٍ أميركي في منطقة نفوذها، وهناك خلافاتٌ قائمة بالفعل بين بكين وواشنطن حول النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، بينما تتوارى دائماً القضية الأزلية الخاصة باستقلال تايوان في الخلفية.

وقد زاد تودد بكين إلى كوريا الجنوبية في الأعوام الأخيرة عمَّا قبل، ولا سيما حين ذهب الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2014 إلى سول في زيارةٍ اعتبرها البعض رسالةً إلى كوريا الشمالية. (وقد أعادت المخاوف الصينية التي أثيرت مؤخراً من منظومة ثاد، المنظومة الدفاعية الجوية الصاروخية التي تنشرها الولايات المتحدة في أراضي كوريا الجنوبية، بعض التوتر في العلاقات مع بكين).

وعلى إثر هذه الأحداث، يجب أن تتضمن أي مقابلةٍ بين ترامب وكيم، وباستخدام أبسط قواعد الحكمة، مشاركة الصين والضغط الذي يمكن أن تُمارسه على كوريا الشمالية، وقد أكَّد البيت الأبيض في عهد ترامب مراراً وتكراراً على ضرورة هذا الأمر. ولكن الأمور لم تعد تسير حسب البروتوكولات المعتادة، وهو ما أكَّدته المكالمة غير المتوقعة التي أجراها ترامب قبل تنصيبه رئيساً لأميركا مع الرئيس التايواني الجديد.

وأخيراً، بالنسبة لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، فإنَّهما سيراقبان من بعيد مع حذرٍ بالغٍ وفزعٍ مُحتمل. إذ قد تتسبب مثل هذه المقابلة في تغيير علاقات موسكو مع كلٍّ من بكين وواشنطن، فضلاً عن احتمالية تغيير علاقاتها مع بيونغ يانغ أيضاً.

ودعونا لا ننسى رد فعل الإعلام. فمن المؤكد أنَّ مقابلةً كهذه ستكون غنيمة العام للمنظمات الإخبارية. وسيجذب إجراء هذه المقابلة كفعالية إعلامية مئات، بل الآلاف، من القنوات الإخبارية. وسيعني ذلك إعداداً رئيسياً للبنية التحتية على غرار اجتماعات القمة بين الرؤساء، أو فعاليات الألعاب الأولمبية.

الإغراءات

بغض النظر عن الآثار السياسية، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، ستكون أي مقابلةٍ بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون، في أي مكانٍ بالعالم، إذا حدثت بالفعل، أحد أكثر الأحداث دراماتيكية في القرن الواحد والعشرين حتى الآن.

وستشمل ثلاث رواياتٍ عالمية كُبرى في وقتٍ واحد: الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب، وما الذي تعنيه إدارته، وعائلة كيم، والطريقة الفريدة والمتقلبة التي سيطر بها أفراد العائلة على كوريا الشمالية، وأظهرتهم على الساحة العالمية، والأمن والدفاع الإقليميين في منطقة شرق آسيا، وهي واحدة من أكثر المناطق المحورية على المستوى الإستراتيجي في العالم.

سيكون ذلك حدثاً كبيراً، وصاخباً. سيكون حدثاً هاماً جداً، وسيريالياً بدرجةٍ ما، وغير متوقَّع تماماً. إذ يمكن توقّع أي شيء من هذين الرجلين الذين بإمكانهما تغيير العالم.

ومرةً أخرى، يبدو أنَّ هذه المقابلة بعيدة المنال. إذ صدر بيانٌ ظهر يوم الثلاثاء، 2 مايو/أيار 2017، من وكالة الأنباء الرسمية في كوريا الشمالية، والتي تحمل الاسم الرسمي للدولة “جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية”، جاء فيه: “إنَّ إدارة ترامب التي تولَّت مقاليد الحُكم حديثاً في الولايات المتحدة تستفز جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بلا سبب، ولا تعرف مدى قوة الخصم الذي تواجهه”.

صحيفة الجديد

Exit mobile version