مسكين الكاروري .!! وزير يخرج إلى الشارع ليستقل سيارة (أمجاد).. هل قرأت الخبر وطفرت منك دمعة؟

مسكين الكاروري .!!
كعادتهم يدخلون بزفة صاخبة ويحاولون تقديم عرض بائس للنزاهة في أخر أيامهم، وهى بالضبط الحالة التي عرضها أسامة عبد الله من قبل وأخرين تطايرت دموعهم، وهاهو وزير المعادن المغادر أحمد الكاروري يؤدي ذات المشهد المشحون بالدراما، وقد خلفه البروفسير هاشم علي سالم الحاصل لتوه على مكافأة مجزية جراء مشاركته في حوار الوثبة، دون أن يبدي أيما تجرد ويعزز الشكوك بأنه جعل من ألية الحوار الوطني سلماً للصعود لهذا الموقع، أو الهبوط فوق مناجم الذهب .
يقول الخبر المعروض في صحيفة خرطومية للتدليل على نزاهة الكاروري “أنه سلم خلفه وثائق وزاراته، ثم صلى الظهر مع العاملين وودعهم، وسلم سيارته وخرج إلى الشارع ليستقل سيارة (أمجاد) إلى داره رافضاً رجاءات مسؤولين بالوزارة لتخصيص سيارة تنقله إلى منزله، وأبدى موظفين حزنهم على الرجل النزيه الذي لا يملك سيارة” ..

هل قرأت الخبر وطفرت منك دمعة، وقلت مسكين الكاروري؟ أو حتى تساءلت : كيف يمكن أن يكون هذا العرض كافياً للحكم على نزاهة وزير المعادن السابق ؟
بالطبع نحن أمة يسهل خداعها، وأحياناً الصحف نفسها تمارس علينا ذلك التضليل، وتغبيش الوعي، وتختزل قضايا كبرى في خيوط رمادية، كما أنه يحير فعلاً أن عملية تسليم وتسلم لأخطر وزارة في السودان تتم بهذه الطريقة الخاطفة المبهمة، مثل جرد ل(كشك) في أنحاء السوق العربي، بكل بساطة يسلم الكاروي أوراقه وسيارته ويتخارج، كأنه لم يكن وزيراً لسنوات محاطا بالتصاديق وبنود الصرف الشرهة والشراكات (وأمنا الغولة) .. وأثيرت حوله الكثير من القضايا والاستفهامات !
هذه واحدة من الأزمات التي تركت تشوهات عميقة في الخدمة المدنية، والعمل التنفيذي عموماً، بحيث لا يخضع رجل كان مسؤولاً عن وزارة بهذا الحجم والخطورة لمراجعة صارمة، وتدقيق في الأوراق التي كان بحوزته، أو التي ظلت حبيسة الأدراج، ما جعل الموظفين يتعلقون به، ويتباكون عليه، رغبة ورهبة، رغبة في الإبقاء عليه، ورهبة من القادم المجهول، والذي بالضرورة سيحاول أن يتخلص من حاشية سلفه، لتحل محلهم حاشيته الجديدة .

أما الذي يصيب بالأسى صراحة فهو تعاملنا الساذج مع ملفات الدولة، لدرجة أن التعبير عن منظومة النزاهة يختزل في تسليم سيارة والذهاب إلى البيت بـ”أمجاد” .. وفي الغالب تجد في البيت أكثر من فارهتين وأسوار عالية وحسابات مفتوحة في البنوك للمسؤول المتجرد على خشبة المسرح السياسي، وهو مشهد بلا معنى، لأن أخطر من الفساد المالي الفساد الإداري، وبصورة خاصة هو الأشد ضراراً في أسلوب إدارة الدولة، وكون تلك الوزارة المناط بها تحسين اقتصاد البلاد في غياب النفط، ورفع معدلات الإنتاج وتنظيم عمليات التنقيب، عندما لا تحقق العائد المنتظر منها فهو فساد اداري وخيبة أمل، وكون الوزير يتعاقد مع شركة تزعم بأنها ستنتج (8) ألاف طن ذهب بقيمة (298) مليار دولار في غضون ستة أشهر ولا تفعل ذلك، فهو فساد يستحق أن يحاسب عليه، وكون وزارة مثل المعادن لا تسهم في تحقيق عائد تنموي يظهر أثره على أوضاع الناس، أو يسهم في تخفيف معدلات البطالة فهو فساد، لأن الفساد ليس بالضرورة عملية تسلل في الظلام ونهب خزينة الدولة .

في النهاية تبقى الأسئلة الموجعة توجع أكثر، أو تمد لسانها ساخرة من الواقع المأزوم، فما الذي يبهر في أن يسلم وزير سيارة الدولة إذا لم يتخلى عن عائد نهاية الخدمة الوزارية لصالح الفقراء؟ أو يقدم نموذجاً للرشد لا يضاهى؟ ولماذا لم يستقل السيد الوزير سيارة ترحيل الموظفين لتقله إلى بيته، أو يتصل بأي شخص بدلاً من الخروج إلى الشارع في مشهد محبوك، لا مفر من القول أنه يريد أن يستدر به عطف الناس، أو أنه غاضب، رغم أن معظم السودانيين لا يمتلكون ثمن أجرة الأمجاد .

بقلم
عزمي عبد الرازق

Exit mobile version