البشير يتهم مصر بالتورط في الأحداث الأخيرة الخرطوم والقاهرة .. الهمس يتحول إلى جهر

رئيس الجمهورية ونائبه يؤكدان الدعم المصري في الهجوم الأخير
الساعوري: لا أستبعد حدوث مناوشات عسكرية بين البلدين

محمد جمعة: الرئيس بحديثه الأخير مارس شفافية موجعة
عبد الماجد عبد الحميد: الخرطوم تملك أدلة كافية تثبت ضلوع مصر

بصورة دبلوماسية ودهاء سياسي أرسل أمين حسن عمر مسوؤل مكتب متابعة سلام دارفورن رسائل عاجلة في مؤتمر صحافي عقده بمكتبه أمس الأول تلمّح لتورط مصر في الحرب التي دارت رحاها ما بين ولايتي شرق وشمال دارفور، وقبل أن يجف مداد تصريحات أمين عمر، أطلق الرئيس البشير إشارات قوية لا تحمل تلميحاً ولا تحتاج تفسيراً حيث اتهم البشير مصر بالضلوع في الأحداث التي شهدتها دارفور قبل يومين .

صواريخ رئاسية
الشاهد في الأمر أن العلاقات بين القاهرة والخرطوم ظلت تشهد تراجعاً مستمراً في الأشهر المنصرمة، وظل الرئيس البشير بنفسه يؤكد ما بين الفينة والأخرى أن الإعلام المصري يؤجج الصراعات بين البلدين.

بالمقابل ظلت القاهرة تستخدم حلايب ورقة ضغط في الصراع بين البلدين، ففي منتصف الأسبوع المنتهي قال البشير لقناة “الجزيرة” إن مصر تحتل أراضي سودانية (حلايب)، وهو تصريح حمل في طياته مدى نفاد صبر الخرطوم حيال التعامل مع القاهرة فيما يخص حلايب المحتلة.

في ذات الصعيد شن الرئيس البشير أمس من داخل القيادة العامة هجوماً لاذعاً على مصر مُتهمًا إياها بالضلوع والتورط في الهجوم الأخير على ولايتي شمال وشرق دارفور، قائلاً بصريح العبارة إن القوات التي هاجمت الأراضي السودانية تحركت من جنوب السودان وليبيا، وشاركت فيها مدرعات مصرية، في الصعيد نفسه تأسف البشير على الدعم المصري للحركات المسلحة الدارفورية، قائلاً إن السودان ظل يحارب في جنوب السودان لمدة عشرين عاماً ولم تدعمنا مصر بحجة أن ما يحدث شأن داخلي يخص السودان.

في ذات المنحى شن نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن من داخل مدينة عطبرة هجوماً لاذعاً على مصر، وقال في مخاطبة جماهيرية إن هنالك دولة مجاورة (في إشارة لمصر) دعمت الحركات الدارفورية بالسلاح في هجومها الأخير، واصفاً موقف الحركات المسلحة بالنفاق بحجة أنها تتفاوض مع الحكومة في ذات الوقت تثير الحرب.

تأييد كبير
الهجوم الذي أطلقه البشير في حق مصر وجد تأييداً كبيراً من قبل قطاع عريض من فئات الشعب السوداني خاصة وأن الخرطوم تتعامل بدبلوماسية مع القاهرة، ولأول مرة ترد الخرطوم بعنف على مصر حيال القضايا الحية.

في ذات الصدد يقول المحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد (للصيحة) إن الرئيس البشير ضاق ذرعاً بالمحاولات المصرية لزعزعة استقرار السودان والمحاولات لم تتوقف عن الإساءة للسودان عبر الإعلام المصري الرسمي، بالإضافة لتصعيدها المستفز لقضية حلايب، عطفاً على الغيرة من انفتاح السودان على المجمتع الدولي مؤخراً بالتالي لا يوجد خط رجعة للحديث عن أزلية العلاقات بين البلدين، وأضاف عبد الحميد (للصيحة): لا توجد مساحة للتراجع، ويجب أن تدار العلاقات بين البلدين بمزيد من الصراحة، وقال عبد الماجد إن الخرطوم تملك أدلة كافية تثبت ضلوع مصر في الأحداث الأخيرة بدارفور بعد سيطرة الجيش على عشر دبابات مصرية، وهنالك حديث عن القبض على ضباط اتصال من الجيش المصري، وهذه أكبر أدلة على تورط مصر في الأحداث الأخيرة، وطالب عبد الحميد مصر باعتذار رسمي حول التصرفات الأخيرة التي بدرت منها وتساءل عبد الحميد بقوله: هل تريد مصر ومخابراتها تغيير النظام في الخرطوم؟ باعتبار أن نظام الحكم في الخرطوم أضحى حسب زعمها مهدداً استراتيجياً للأمن القومي المصري؟ مضيفاً أن الإجابة على هذا السوال خطيرة جداً، وختم قائلاً: مطلوب بناء علاقات استراتيجية جديدة بين البلدين بعيدأ عن العواطف.

الحديث الموجع
في الأثناء يرى المحلل السياسي محمد حامد جمعة أن الرئيس وبحديثه الأخير يمارس شفافية موجعة بناء على حقائق ومعلومات موثقة بصفتها الأمنية والعسكرية، وقال جمعة إنن يملك معلومات توفرت له تشير الى أن القوة المهاجمة عالية التسليح والتدريب من حيث الكثافة وقوة النيران، وكانت تقديراتهم أن الانتصار سيكون حليفهم وأشار جمعة (للصيحة) أن القوات المسلحة والدعم السريع تمكن من كسر شوكة القوات المهاجمة بصورة غير متوقعة، وتمكنوا من تشتيت القوات الماهجمة، وأضاف بالقول لأول مرة تشهد المعارك بين الحكومة والحركات المسلحة استخدام مركبات مدرعة مصممة للقتال في مواقع ذات طبيعة رملية مع استخدام زخائر بعضها لم يفك من صناديق بلد المنشأ، وهذا يؤكد أن النية كانت مبيتة مسبقاً للهجوم وأردف بالقول: كثافة القوات المهاجمة وبأعداد هائلة يؤكد أنها قوات مطلوبة للسند من بعض الأطراف في ليبيا وجنوب السودان، لذلك اعتبر أن العملية مهمة وهي بداية لمخطط.

كيد قديم
في السياق يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفسير حسن الساعوري أن مصر ظلت تكيد للسودان منذ بداية مجيء الإنقاذ وظهر ذلك بصورة واضحة في العام (93) بإيوائها المعارضة وفتح مكاتب للحركة الشعبية، وظل السودان صامتاً دون أن يرد، وظلت العلاقات كما هي دون أن تقطع، ومصر ماضية في هذا النهج تعمل ضد السودان مع المعارضة بخط مستقيم، لكن إعلان الرئيس هذا مؤشر على أن صبر السودان على الكيد المصري الذي بدأ منذ (93) وتحريضها للخليج بالوقوف ضد السودان لكن واضح أن السودان اتجه للحديث صراحة عن العداء المصري له، ويرى الساعوري في حديثه (للصيحة) أن هذا الإعلان رسالة من السودان لمصر بأنه لن يصمت على كيدها الذي كان يعلم بكل تفاصيله، ورسالة دولية وإقليمية بأن السودان لن يصمت على كيد مصر وسيصعد في التوتر معها.

من جانبه يرى الناطق الرسمي للقوات المسلحة الأسبق الفريق محمد بشير سليمان أن حديث الرئيس البشير عن العداء المصري للسودان جاء متأخراً لكن لأسبابه المنطقية التي جعلت السودان يصمت على عداء مصر منذ مجيء الإنقاذ، ويضيف الفريق محمد متفقاً مع د. الساعوري بقوله: من واقع معرفتي ومن خلال وجودي في القوات المسلحة أن مصر ظلت في عداء متصاعد مع السودان طلية فترة الإنقاذ إذ كانت داعمة للحركة الشعبية بالمال والعتاد الحربي والتخطيط، مع إيواء كل المعارضين بما فيها الحركات المسلحة التي نفذت الهجوم ويضيف الفريق محمد بشير (للصيحة) أن مصر ظلت تعتبر السودان البوابة الخلفية لها ويمثل عمقاً استراتيجياً في قضية مياه النيل، لذلك ظلت تخشى من قوته وتعمل على الدوام لجعله ضعيفاً وفي حاجة لحمايتها وتكون له وقاية من تداعيات أخرى، والهدف من ذلك خدمة مصالح مصر ولا يهمها على ماذا يكون السودان وأن يكون تابعا لها، لذلك ظلت تعمل للضغط عليه في ثلاثة اتجاهات من الشرق والغرب والشمال باحتلالها حلايب.

ما وراء الكيد
وعن دوافع مصر لهذا التصرف يقول الساعوري: يأتي من منطلق رؤية مصر بأن نظام الإنقاذ يشكل عداء لها خاصة بعد ظهور قضية مياه النيل ممثلة في سد النهضة ووقوف السودان لجانب أثيوبيا زاد من هذا العداء لأن مياه النيل تشكل لمصر أمناً قومياً، وأصبحت القضية ليست لأن المعارضة في مصر إسلامية والنظام في النظام في السودان إسلامي القضية أصبحت أن السودان فض تحالفه مع مصر في مياه النيل وأصبح أقرب لأثيوبيا، لذلك صعدت مصر من نشاطها المعادي للإنقاذ وترى ضرورة أن يذهب، ويضيف الساعوري هذا يظهر من خلال الهجوم الأخير الذي تم على مناطق شرق وشمال دارفور وليس هناك هدف واضح له فقط أن المصريين ماضون في خط تصعيد الحرب في وقت تعمل فيه الحكومة بمساعدة المتجمع الدولي والإقليمي في سبيل ترسيخ السلام، وهنا تلتقي الأجندة المصرية مع أجندات الحركات المسلحة في دارفور الرافضة للسلام، وعن دوافع دعم مصر لهذا الهجوم يقول محمد بشير سليمان: أما تخوف مصر من عملية استعادة السودان لموقعه في الإطار الدولي وينتظر رفع الحظر الأمريكي عنه في شهر يونيو بعد أيام بناء على الاستقرار في السودان ومصر لا ترغب في ذلك، لذلك عمدت لتهيئة وتأهيل هذه القوات بدعمها لوجستياً ومالياً لتجديد الحرب في السودان لتقول لأمريكا والمجتمع الدولي بأن السودان غير آمن ويهدد الأمن والسلم والدوليين وغير مؤهل لرفع العقوبات عنه وهذا هو الهدف الرئيس لمصر عرقلة رفع العقوبات، وتريد إيصال رسالة أخرى لدول الخليج بأن السودان ليس آمناً حتى تستثمرون فيه أموالكم، وعلى الصعيد الداخلي تريد الحكومة المصرية أن تغير موقف الرأي العام الداخلي الرافض لها بخلق عدو من السودان حتى تكسب تعاطف الشعب المصري لها بوجود دولة معادية له، ويختم أن إعلان الرئيس له بعده في الأوساط الشعبية السودانية تجاه الصمت الرسمي من الحكومة طوال الفترة الماضية تجاه العداء المصري، وأيضاً هناك بعد استراتيجي يجهض تحرك مصر تجاه عدم استقرار السودان بدعمها للحركات بتحريك أسلحتها وإعلامها ضد السودان والعالم يراهن على أنه يمكن أن يؤسس من خلالها سلام دولي في محاربة الإرهاب والإسلام السياسي..

توقعات مفتوحة
لم يستبعد الساعوري بعد هذا التصعيد حدوث مناوشات عسكرية بين البلدين قائلاً (بعده الرصاص سيدوي هنا أو هناك) طالما مصر أخذت في محاصرة السودان الذي يبدو واضحاً أن صبره قد نفد بالضرورة يتحرك لفك هذا الحصار ، وعاد للقول يمكن أن يكون هذا التحرك من قبل السودان في المحافل الدولية والإقليمية الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمن وحتى في الكوميسا التي دخلتها مصر بمساعدة السودان واستبعد الفريق دخول السودان مع مصر في مواجهة عسكرية من واقع صبر السودان على مكائد مصر وعمله على تحقيق السلام الداخلي سيظل هذا النهج حاضراً حتى يتحقق السلام في السودان الذي ليس في حاجة لفتح جبهة لا يرغب فيها ولا المجتمع الدولي، لكنه عاد للقول طال الزمن أو قصر علينا أن نستعد لحرب مع مصر.

الخرطوم ــ الطيب محمد خير ــ عبد الرؤوف طه
صحيفة الصيحة

Exit mobile version