ارتداها خلال استقباله غندور: (تي شيرت) سامح شكري.. صدفة أم رسالة ؟

الترقب الذي طال انتظاره للقاء وزير الخارجية إبراهيم غندور ونظيره المصري سامح شكري، بعد تصاعد التوتر في علاقات البلدين، دفع المراقبين للتدقيق في كل شيء، خلال لقائهما يوم السبت بالقاهرة، في محاولة الغوص في ما وراء العبارات الدبلوماسية ومحاولة قراءة لغة الجسد ودبلوماسية الأزياء، ليتوقف البعض عند (التي شيرت) الأخضر الذي كان يرتديه شكري تحت الجاكيت، ويروا أنه لم يكن ملائماً من ناحية بروتوكولية.

بفانيلة خضراء من زرارتين وجاكيت أزرق، وبنطال أسود، بدا وزير الخارجية في (استايل كاجوال) وهو يُستقبل نظيره السوداني الذي ارتدى بدلة زرقاء وربطة عنق حمراء، مع قميص أزرق مخطط، الأمر الذي اعتبره البعض انعكاساً لحالة عدم الانسجام التي تظلل علاقات البلدين.
الأستاذ المختصة بمجال الأزياء بجامعة السودان د.زينب عبد الله قالت إن البعض بدا يميل مؤخراً لارتداء (تي شيرت) أسفل الجاكيت ليبدو عصرياً ومواكباً للموضة، إلا أن الأمر يمثل سقطة بروتوكولية في مثل هذه اللقاءات الرسمية التي تتقيد ببروتوكول عالمي لا يتقيد بأسلوب الشخص أو مزاج حكومته.
ويقول المحلل السياسي محمد الأمين إن أي قراءة لدبلوماسية الزِّي تتأثر في الأساس بأرضية الحدث وخلفياته السياسية، ويشرح الأمين حديثه أكثر، ويقول من الممكن أن نرى أن ارتداء شكري لزي (كاجوال) هو بمثابة تبسط مع نظيره السوداني لا سيما وأنه كان يرتدي لوناً أخضر والذي يعبر في الثقافة الشرق أوسطية عن التفاؤل والاستعداد للتعاون والعمل المشترك، في ذات الوقت يرسم الأمين صورة مغايرة ثانية للمشهد بقوله إن الصورة تحتمل تأويلاً في غاية السلبية باعتبار أن عدم ارتداء شكري لزي رسمي في استقبال غندور يعبر عن استخفاف بالبروتوكول وضيفه، لا سيما بعد أن عاد وبدل زيه في اللقاء أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والثاني أمام أجهزة الإعلام.
الخبير الدبلوماسي الرشيد أبوشامة يقول إن الدبلوماسيين السودانيين درجوا على الالتزام بالبدلة أو الزِّي القومي، ويضيف أنهم كانوا يرتدون الزي”الأفرنجي” خاصة البدلة الغربية ذات الذيل الطويل من الخلف في مقابلاتهم الرسمية.. فهذا الزي هو المتعارف عليه بكل دول العالم، ولكن بعد حكومة الإنقاذ أصبحنا نلبس الزي القومي لدينا “العباية والجلابية والعمة والشال” لدلالاته الثقافية وأول من ارتدى هذا الزي ولم يقلعه طيلة فترة خدمته سفير السودان بمصر أحمد عبدالحليم الذي ظل متمسكاً به في كل المناسبات الرسمية وغير الرسمية وطيلة فترة وجوده بمكتبه، لكن هنالك سفراء الزمتهم بعض البلاد المبعوثون بها على ارتداء البدلة الرسمية في كل المناسبات الرسمية والمؤتمرات خاصة المبعوثين الدبلوماسيين بالأمم المتحدة. وأشار إلى أن الوضع يختلف على النساء فجميع السفيرات السودانيات يلبسن الثوب السوداني في كل مقابلاتهن الرسمية باعتباره الزي الرسمي للبلد، ويواصل : في الآونة الأخيرة أصبح البعض منهن يلبسن بعض الملابس العادية “اسكيرت وبلوزة أو جبة” إذا لم يكن لديهن اجتماع أو مقابلة رسمية.

شفرة اللبس
وبعيداً عن لقاء شكري وغندور الأخير، فقد بات لدبلوماسية الأزياء روادها ومرتاديها ومحلليها الذين يجمعون بين علم الأزياء والعلاقات الدولية والعلوم السياسية، لذلك فإن مسألة أزياء المسؤولين والقيادات تجد حيزاً من التحليل والدراسة في اللقاءات المهمة.
وتعود د.زينب لتؤكد أن الزِّي يعكس طابع الشخصية وفلسفتها ورؤيتها للمناسبة المعنية وضيوفها، كما أنها تلفت لنقطة مهمة تتعلق بما يعرف بشفرة اللبس (Dress code ) هو شرح للزي المناسب للمناسبة وفقاً لما هو متعارف عليه بروتوكولياً بشكل يعكس طبيعة المناسبة ومدى احترام ضيوفها.
وتواصل الخبيرة في مجال الأزياء حديثها وتلفت إلى أن دلالات الألوان تختلف باختلاف الثقافات، فالأخضر الذي يمثل التفاؤل والانشراح في ثقافات، قد يمثل التشاؤم في بعض المناطق لارتباطه بالمشافي وأزياء الأطباء والممرضين.
ومن جانبها تشير المهتمة بالأزياء مواهب علي إلى أن للأزياء دلالات عديدة تختلف باختلاف المكان والمناسبة لارتدائها، مشيرة إلى أن الشعب السوداني إلى الآن ليس لديه ثقافة الزي ويختار ملابسه حسب حالته المزاجية وليس بحسب المناسبة أو الوقت أو حتى حالة الطقس على عكس العالم الغربي الذي يراعي طبيعة المناسبة والبروتوكول المعني مستعينين بأفضل خبراء الزِّي والتصميم ليقوم باختيار تصاميم تتناسب مع شخصية الفرد والمناسبة وجوها العام.
فيما يشير الأمين إلى أن الناظر للواقع في السودان لا يجد التفاتاً كبيراً نحو شفرات اللبس باستثناء بعض البعثات الدبلوماسية، ويمضي الأمين في حديثه ليشير إلى أن البعض قد لا يراعي حتى الثقافة العامة وتناسب الألوان كارتداء الألوان الهادئة في النهار، ويدلل على حديثه بالإشارة إلى بعض من يظهرون على شاشات التلفاز، مؤكداً على أهمية خبراء زي في كل المواقع الرسمية والإعلامية لضبط الإيقاع والرسائل وحفاظاً على الذوق العام.
دبلوماسية الأزياء
تطورات كبيرة شهدها ما يعرف بدبلوماسية الزِّي والاكسسورات، ففي اللقاءات العامة كل شيء يكون محسوباً بدقة، وفقاً لقواعد يضعها مختصون.
يقول المحلل السياسي محمد الأمين لم تعد دبلوماسية الأزياء منحصرة في إصدار قوائم السياسيين والسياسيات الأكثر أناقة، بقدر ما امتدت لتشمل توجيه رسائل معينة عبر الملابس، وقد يكون الرئيس عمر البشير هو الأبرز في استخدام الزي كرسالة ففي مطلع التسعينات حينما ذهب للقاهرة للمشاركة في القمة العربية ارتدى زي قبيلة البشاريين لتكون الرسالة أوضح ما تكون ألا وهي سودانية حلايب المتنازع عليها مع مصر. وعالمياً، أشهر من استخدم هذه الطريقة كانت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة التي كانت ترتدي دبابيس صدر بكل مناسبة تحمل كل منها معنى مختلفاً، ورسالة وإشارة معينة، ويمضي الأمين في حديثه، ويقول على ذات النهج سارت هيلاري كلينتون التي لطالما توجهت إليها الأنظار في أثناء المؤتمرات الدولية المهمة لمعرفة ألوان ملابسها، إذ كان ارتداؤها اللون الأخضر يعنى الميل نحو الاتفاق، على حين حمل الأسود معاني الرفض والتشدد .
من جانبها تقول أستاذة الأزياء المختصة بمجال الأزياء د.زينب عبد الله إن الأناقة ليست حكراً على السياسيين والدبلوماسيين إلا أنها جزء مهم من أدوات عملهم، ووسائل للتعبير عن أذواقهم وأفكارهم ، وبالتالي نجاحهم في التأثير على الآخرين، لذلك تحرص القيادات السياسية على ارتداء ملابس تضيف إلى كاريزميتهم السياسية، وتعبر عن آرائهم وأفكارهم بحسب المناسبة التي سيحضرونها.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يعد بأنه أحد نجوم قائمة أناقة الرؤساء، حيث حرص دائماً على ارتداء بزات تحمل طابع القوة والصرامة خاصة في الاجتماعات الدولية الكبرى، على حين تعكس ملابسه البسيطة عند قضاء العطلات، أو عند اصطحابه بناته إلى المكتبات العامة الجزء المرح من شخصيته .
وتهتم عدد من المجلات وخبراء الموضة العالمية كل عام بإصدار قوائم سنوية لأكثر الساسة أناقة حول العالم، وأهمها قائمة مجلة تكستيل فيرتشافت الألمانية، التي وجه عبرها خبراء الموضة انتقادات للمظهر الممل للساسة الألمان، وأشاروا إلى عدم تمتعهم بالذوق في ما يتعلق باختيار الألوان، أو ربطات العنق، وأشارت إلى الفرق الكبير بينهم وبين الساسة في فرنسا وإيطاليا الذين يعدون أيقونات بعالم الموضة .
وعلى الرغم من احتلال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قمة القوائم السنوية لأقوى السيدات نفوذاً في العالم ، إلا أن أزياءها وملابسها موضع انتقادات دائمة، خاصة مع اعتمادها الدائم على ستايل السترة التي لم يتغير تصميمها أبداً، ولا يتغير فيها سوى لونها الذي يعبر غالباً عن موقفها من القضية التي ستناقشها، ومن ذلك ارتداؤها سترة خضراء عند مناقشتها أزمة الديون اليونانية وكانت تعبيراً عن موقفها الهادئ تجاه إمكانية تجاوز الأزمة.


تقرير: محمد عبدالعزيز
السوداني

Exit mobile version