المذيعات.. (سلخ) المهنية بـ(خنجر) الأخطاء، حقائبهن اليدوية تنوء (بالكريمات)، وتخلو من (الكتب والمفكرات)

لم أتفاجأ على الإطلاق بالمذيعة التي هتفت في وجه إحدى المتصلات من ولاية النيل الأبيض بعبارة:( اووو ناس الكوليرا)، فبعض مذيعات القنوات الفضائية أوصلننا لقناعة راسخة، بأن الدهشة باتت اليوم لا تتمثل في وقوع إحداهن في (الخطأ)، بل صارت كل الدهشة تكمن في تميزها وعدم وقوعها في أي خطأ، و… تلك إحدى غرائب وعجائب هذا الزمان!

ومسألة وقوع المذيعات في الأخطاء (القاتلة) المتكررة، هي مسألة تحتاج منَّا وبكل صدق، الوقوف عندها والبحث عن مسبباتها وعن حلول لها كذلك، وهو الموضوع الذي سأحاول طرق جوانبه عبر هذا المقال، والذي أتمنى أن ينزل برداً وسلاماً على قلوب المذيعات (الرهيفة)، وعلى عقول مدراء القنوات (المحكمة الاقفال).

مبدئياً دعونا نراجع كراسة شروط انضمام المذيعة إلى القنوات الفضائية المختلفة، وستندهش أنت أيضاً عزيزي القارئ عندما تجد أن أوراق هذه الكراسة لا تحوى أيَّاً من الشروط المهمة والمتعارف عليها لقبول المذيعة للعمل في القنوات، وستتعدى دهشتك أعلاه للذهول عندما يخبرك أحد العاملين داخل قناة فضائية محترمة، بأن قبول المذيعة للعمل داخل القناة يعتمد في المقام الأول على (الشكل)، وأن هناك بالفعل (معاينات)، لكنها- ولسخرية القدر- تنحصر في (الألوان والملامح)!

مئات المذيعات صرنّ يدخلن اليوم للالتحاق بالقنوات الفضائية وحقائبهن اليدوية تنوء (بالكريمات)، وتخلو بالمقابل من (الكتب والمفكرات)، وصارت الواحدة منهن اليوم تلجأ قبيل خوضها لأيٍّ من المعاينات- إن وجدت من الأساس- لتفتيح بشرتها وتنعيم خدودها وتكثيف رموشها، لتصبح بذلك أقرب لـ(العروس المحبوسة)، أما المعاينات المتوفرة نفسها، فهي لا تعدو مجرد (شكليات)، ونوع من أنواع (تبنيج) الصحافة، بحيث يقف أمامك مدير القناة وهو يقسم بأغلظ الإيمان أن قناته الفضائية لا تعتمد في اختيار مذيعاتها على أساس الشكل، بل على أساس الثقافة والمعرفة، ويضرب لك مثلاً بالمعاينات التي يشرف عليها بنفسه، لكنه- وللغرابة- لا يمنحك (تفاصيل) تلك المعاينات حتى تحكم عليها.

إحدى المذيعات سألتها قبيل سنوات عن كيفية انضمامها للقناة الفضائية التي تعمل بها، فأخبرتني بأن انضمامها كان أسهل من (شراب موية من زير كاشف)، وزادت:( دخلنا معاينات وشالوني بعدما عرفوا إنو فلان قريبي)، وعلى النقيض تماماً، أخبرتني أخرى من (غير المقبولات) داخل تلك المعاينات، أنها (مصدومة) بسبب رفض إدارة القناة لاستيعابها، بالرغم من أنها أجابت على كل أسئلة المعاينة بدقة متناهية، لتسألني بحيرة:( تفتكر يكونوا ما شالوني عشان ماعندي واسطة ولا عشان أنا شينة).؟… واخترت أنا في تلك اللحظة (الصمت)، فهو فعلاً أبلغ من أي إجابة.

قبيل الختام:
من (العيب) أن نحاسب المذيعات وحدهن على الأخطاء (الساذجة) التي يقعنْ فيها، فإدارات القنوات الفضائية هي أيضاً لا بد أن تُحاسب وبصرامة، فهي التي تمنح المساحات، وهي أيضاً من تختار المذيعة التي ستمثلها داخل الشاشة وخارج الاستديوهات.

شربكة أخيرة:
مقترح أخير… لماذا لا يتم إطلاق ورشة يجتمع فيها أهل الإعلام المرئي والمقروء معاً، وذلك لوضع معايير وشروط اختيار مذيعات القنوات الفضائية، على الأقل في هذه الحالة سنكون جميعاً شركاء في ما سيتحقق، سواء كان نجاحاً أو فشلاً، وأظن أن هذا أفضل بكثير من (سلخنا) لـمهنية المذيعات بـ(خنجر) أخطائهن.

أحمد دندش

Exit mobile version