أخطاء وإعتذارات.. (اليوم التالي) تكشف كواليس زيارة أحمد بلال للقاهرة.. ماذا حدث بالجامعة العربية ولماذا غضب السفير المغربي من الوفد السوداني؟

ماذا دار في ندوة بلال التاريخية العصماء بمقر السفارة السودانية بالقاهرة
ردود فعل الصحفيين المصريين على حديث بلال
رسائل بتغيير موقف السودان من أزمة الخليج

القاهرة: صباح موسى
أثارت زيارة أحمد بلال عثمان نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام والناطق الرسمي للحكومة إلى القاهرة اليومين الماضيين لغطا كبيرا على الساحة السياسية في مصر والسودان، وكذلك امتد هذا اللغط إلى المنطقة العربية كلها، فالرجل جاء إلى القاهرة لحضور إجتماعات وزراء الإعلام العرب، وكان عليه أن يعلم أن هذا التوقيت الحساس وأن السودان يأخذ موقف الحياد في الأزمة الخليجية، وكان يجب أن يعبر عن هذا الحياد في تصريحاته، لكنه إنجرف بعيدا عن الموقف العام للدولة، وبدأ أول أخطائه بالهجوم على قناة الجزيرة متهما اياها قائلا (لست مع قناة الجزيرة وتوجهها ووصايتها على شعب بأكمله هذا خطأ فادح، مضيفا أن الجزيرة خطها الإعلامي الواضح هو إسقاط النظام في مصر واثارة الفوضى فيها واتهام النظام بالاستمرار والمصريين أقدم دولة موجودة ولديها نظام راسخ والشعب المصري إن إستطاع أن يغير يغير، فالتدخلات والتحريض أمر مرفوض).

رأي شخصي
صحيح أن بلال استبق هذا التصريح بأن هذا هو رأيه الشخصي وليس الرسمي ولكن هذا لا يعفيه من الخطأ، فهو جاء لإجتماع عربي رسمي ممثلا للحكومة بل وناطقا رسمي لها وهذا يضعه في تراك المسئولية، لم يأتي بلال إلى القاهرة في زيارة خاصة وتحدث في جلسة خاصة، كان يتحدث في الجامعة العربية لصحفيين وفي هذا التوقيت البالغ الحساسية، ولا يمكن أن يفهم هذا الحديث بمعزل عن أنه رأي السودان، الغريب في الأمر أن بلال هاجم الجزيرة لصالح مصر وهو في داخل مصر وكان يمكن أن ينتقدها بوجه عام ولكنه حصر انتقاده لها لصالح مصر، ليبرز تساؤل مهم مالذي غير وجهة نظر بلال الذي هاجم مصر قبل فترة وتحدث عن أن الفرعون الذي حكم مصر كان سودانيا، يبدو أن بلال جاء إلى القاهرة لتبرئة ساحته من هجومه السابق عليها، ولكنه بقصد أو بدون حمل الإتجاه العام للسودان ما لايحتمل!!.

خطأ آخر
لم يكن هذا هو الخطأ الوحيد لبلال في زيارته للقاهرة، فقد جاء الوفد المرافق له حاملا مايقرب من 200 نسخة من كتاب طبعته وزارة الإعلام به تفاصيل ندوة الإرهاب والاعلام والتي عقدت بالخرطوم قبل فترة برعاية الجامعة العربية، وقام الوفد بتوزيع الكتاب في الإجتماع، الكتاب حمل غلافه خريطة للوطن العربي كله متضمنا الجمهورية الصحراوية، ما آثار حفيظة سفير المغرب بالقاهرة والذي تحدث محتجا للسفير عبد المحمود عبد الحليم، وعبد المحمود من جانبه قام بتدارك الأمر وأمر بعدم توزيع الكتاب وانتهى الأمر عند هذا الحد، وجاء بلال معتذرا عن صورة الغلاف في جلسة علنية، كان يمكنه أن يصمت عند هذا الحد ولكن اعتذاره زاد الأمر تعقيدا وهمس سفير الجزائر قائلا كان يمكن أن نسجلها أزمة ونقول أن الخريطة صحيحة، لكننا مررناها من أجل السودان الشقيق. وهنا يبرز سؤالا هل الوفود التي تشارك في فعاليات خارجية تُحضر جيدا لزيارتها أم أنها تركز على التسوق والنزهة ونثريات السفر؟!

محاضرة تاريخية
بلال لم يستدرك كل هذه الأخطاء بل دعى للقاء مع الصحفيين المصريين بمقر السفارة السودانية بالقاهرة، وتحدث منبها في البداية إلى أن حديثه عن العلاقات المصرية السودانية وعن تاريخها وحاضرها ومستقبلها وأنه لا يريد أن يخرج عن هذا العنوان، ودخل بلال في محاضرة تاريخية عصماء لأكثر من ساعة إستحضر فيها تاريخ البلدين ماقبل الميلاد والتاريخ الإسلامي والمماليك والأخشيديين و….متجولا في الحقب والأسر الحاكمة لمصر ووادي النيل وكأنه متخصص في التاريخ رغم أنه قدم نفسه بأنه طبيب متخصص في المناطق الحارة، ماعلاقة التاريخ بهذا التخصص عند بلال ما آثار دهشة الحضور!!، لم يدرك بلال أنه يخاطب صحفيين لا يهمهم إلا الأخبار، ولا يعنيهم ماقاله عن هذا التاريخ، وقسم الحضور مابين متعجب من هذا الحديث، وبين متسائل ماذا يريد أن يقول، وآخرون أخذوه في الإتجاه الإيجابي وأنه يقصد أن يشير إلى التاريخ المشترك والمترابط بين البلدين ولكنهم أخذوا عليه هذا التطويل والحكايات التاريخية الكثيرة، بيد أن هناك آخرين أخذوه بمعنى سلبي بأنه يريد أن يقول أن السودان أفضاله على مصر على مر التاريخ، الخلاصة أن الرجل لم يستطع توصيل هدفه من هذه المحاضرة الطويلة.

إسهاب تاريخي
على أية حال لم يكن بلال موفقا في هذا الإسهاب التاريخي، وكان عليه أن يعي توقيت الحديث ولمن يتحدث، ولأن الصحفيين غير مهتمين بحديثه أخذوه إلى منطقتهم مرة أخرى وسألوه عن الأحداث الراهنة وعن الأزمة الخليجية وتمديد العقوبات وسد النهضة، في الأزمة الخليجية أكد على حيادية السودان فيها، وعندما سألته ولماذا هاجمت الجزيرة بهذه الطريقة طالما أنك تؤكد موقف الحياد، رد قائلا إنه لم يكن يقصد الجزيرة بعينها، فكان يتحدث عن أي قناة أو أي جهة تدخل في شئون الأخرين، وعن تمديد العقوبات قال صبرنا 20 سنة وسنصبر 3 أشهر أخرى ليس لدينا مانع وكان هذا مخالفا لحديث الرئيس البشير وبروف غندور وزير الخارجية بأن السودان قدم كل مالديه وقطع لجنة الحوار مع أمريكا في رسالة واضحة تحدث بعيدا عنها الناطق الرسمي للحكومة في قلب العاصمة المصرية.

تحدث بحماس
الوزير تحدث عن العلاقات المصرية السودانية بطريقة إيجابية جدا، ولكنها كانت مستغربة مع الأزمة الكامنة في العلاقات بين مصر والسودان مؤخرا، كان يتحدث عن ضرورة حضور المستثمريين المصريين للخرطوم وأخذ النصيب الأكبر من خيرات السودان، وأن السودان لن يسمح بالتقليل من حصة مصر المائية، وأنه يقف مع الجانب المصري في الأزمة وكأن السودان وسيط وليس جزءا من التفاوض، الحديث كان بحماس شديد مما أعطى إنطباعا بأن هذه رسالة قوية لبدء صفحة جديدة مع القاهرة، وانه ربما يأخذ السودان موقفا مخالفا في الأزمة الخليجية، وحديث بلال ماهو إلا رسالة من الرئيس البشير لمصر، وكان الصحفيون يتساءلون هل هي فعلا رسالة، ماجعلني أوجه سؤالي لبلال مرة أخرى عن المحاضرة الطيبة جدا وأنها تأتي في وقت فيها أزمة حقيقية بين البلدين لم تفك طلاسمها بعد، وسألته مباشرة هل هذه رسالة سودانية بصفحة جديدة مع القاهرة؟، وهل أحمد بلال تحدث في هذه الندوة بهذا الإنفعال والحماس معبرا عن أحمد بلال الناطق الرسمي للحكومة أم بلسان حزبه أم بلسانه الشخصي، ويبدو أن بلال لم يدرك السؤال فرد بحماس أكبر لا بل أن أتحدث بصفتي الرسمية، في تأكيد مغلظ للصحفيين هذه المرة أن السودان سيتنازل وسيغير عن موقفه في الأيام المقبله.

حديث إعتذاري
الخلاصة أن حديث بلال رغم ايجابيته إلا إنه جاء إعتذاري أكثر مما يجب مما آثار الشكوك حول موقف السودان، حتى أنه نفى حديثه بأن الفرعون الذي حكم مصر كان سودانيا، وقال لم أكن أقصد وكنت أقصد أنه لم تكن حدود بين وادي النيل وعن الترابط، هذا الحديث أعطى انطباعا للصحفيين بأن السودان يريد صك غفران من مصر وأن الوزير جاء بهذه الرسالة في هذا التوقيت وأن ذلك له تفسير واضح، ورغم أن السفير عبد المحمود حاول أن يتحدث في بداية الندوة بطريقة خبرية عن العلاقات معلنا عن زيارة لسامح شكري للخرطوم نهاية الشهر الجاري لحضور لجنة التشاور السياسي، مضيفا نحن نتطلع إلى عقد لجنة المنفاذ الحدودية بين مصر والسودان منتصف شهر أغسطس المقبل، من أجل العمل على تسهيل التبادل التجارى، ودخول البضائع والأفراد بسهولة ويُسر، خاصة ونحن انتهينا من إقامة الطرق والمنافذ البرية فى كلا الجانبين، وتابع أن اللجنة القنصلية بين البلدين ستعقد اجتماعا لها فى الخرطوم قبل نهاية هذا العام، لبحث الشئون القنصلية بين الجانبين وإزالة أى عوائق أو مشاكل فى هذا الموضوع، مشيرا إلى أن اللجنة المشتركة برئاسة رئيسى البلدين السيسى، والبشير، عقدت أول اجتماع لها فى القاهرة، خلال شهر أكتوبر الماضى، مضيفًا “نقوم حاليا ببحث الاستعدادات لعقد الدورة المقبلة للجنة فى الخرطوم فى وقت يتم تحديده عبر القنوات الدبلوماسية.
ولكن بلال لم يلتقط قفاظ متابعة حديث السفير في التراك الخبري وأخذ الحضور في جولة تاريخية راح فيها الجميع في نوم عميق ولم ينتبه أحد إلى إنتهاء الحديث إلا بالتنبيه إلى أنه جاء وقت الأسئلة.

الرد على الأسئلة
وفي معرض رده على الأسئلة أكد بلال أن علاقة السودان بمصر علاقة مقدسة وأزلية وستظل علاقة أبدية ويجب تحصينها وتحصين المزاج الشعبي ضد أي محاولات للإساءة للبلدين، مؤكدا إن ما يحدث من إساءات يمثل مؤامرة ضد وادي النيل لجعل العلاقات الشعبية في حالة من العزلة.
وقال إن مصر هي قائدة العرب، ولا يمكن أن يكون العرب في حال أفضل الا اذا كانت مصر في أفضل حال، و انه لم يكن يقصد أي إساءة حينما نسبت إليه قبل أسابيع وسائل الإعلام القول بان فرعون سوداني، حيث أن ما كان يقصده انه لم يكن هناك حدود بين البلدين وكان الشعبين يعيشان في بلاد وادي النيل، القطر الشمالي والجنوبي وكان أحيانا يأتي الحكام أو الفرعون من القطر الجنوبي.، موضحا أن السودان ضحى كثيرا لكي يتم بناء السد العالي الذي يمثل بوابة الأمن المائي لمصر، حيث غمرت مياه بحيرة ناصر قرى ومدن مثل حلفا على مساحة كبيرة ولكن بلاده على إستعداد لتقديم المزيد من أجل مصر، مبديا تعجبه من وجود مشكلة حول منطقة حلايب الصغيرة بالنسبة للمساحات التي غمرها السد، ولكن الإعلام هو من ضخم هذه المشكلات وشحن الرأي العام في البلدين، وأوضح أن العلاقات والوحدة بين مصر والسودان كانت علاقة مصالح مشتركة وارتباط مصلحة حقيقي لتقاسم النعمة في وادي النيل، مؤكدا أن الحدود بين البلدين جديدة وأمر حديث بالنسبة للعلاقات الممتدة منذ مئات السنين، وان الاحتلال البريطاني هو ما وضع بذور العزلة والحاجز بين الشعبين.
كما أكد أن السودان مع مصر قلبا وقالبا في ملف سد النهضة، ولن يسمح بالمساس بالحصة المائية لها، وأضاف أن السودان سيكون المتضرر الأول في حالة انهيار سد النهضة، مشيرا إلى أن الخرطوم تنتظر نتائج الدراسات التي تنفذها الشركة الفرنسية، وأن المفاوضات حاليا تدور حول فترة ملء الخزان، لأن فترة التخزين طالت أو قصرت ستؤثر على مصر، وشدد على أن السودان لا يعترف بأي مساس ينال من مصر، ولن تسمح الخرطوم بوجود عناصر من الإخوان على أراضيها، مشددا: لسنا مع من يخرب مصر ويقوض أمنها، مطالبا بضرورة إزالة أي شوائب في العلاقة بين البلدين، مؤكدا أن أي كاتب سوداني هاجم مصر لا يعبر عن الحكومة السودانية، ودعا بلال الإعلام فى البلدين إلى التعقل في معالجة القضايا المشتركة التى تصب فى صالح الشعبين وعدم التراشق الإعلامي، وأن يكون ذلك خطا أحمر بالنسبة لهم، مشيرا إلى أن هناك كتائب إلكترونية تزكى النار بين البلدين، وحذر من تأجيج الخلاف بين الشعبين، ومن الذين يكتبون لتوسيع هذا الخلاف بقصد او بدون، مؤكدا أن هذه العلاقة قوية ومقدسة ولن نسمح النيل منها، متسائلا لماذا ننزلق فى أشياء بسيطة ونكون رأى عام ضاغط فى حلايب وغيرها؟، مؤكدا أن السودان لم يتعاون مع قطر عسكريا فى ليبيا أو مصر، موضحا أن الخرطوم دعمت فقط الثوار الليبيين إبان سقوط حكم القذافى، وقال لكننا الآن لسنا مع طرف ضد آخر ونقف مع الحل السياسي فى ليبيا.

ويبقى السؤال هل الدكتور أحمد بلال عثمان بالفعل جاء إلى القاهرة حاملا هذه الرسالة التي عكسها حديثه، أم أن منصب وزير الإعلام والناطق الرسمي للحكومة يحتاج إلى الإلمام بكل التفاصيل والتعبير عنها بشكل لا يحرج الدولة وخصوصا على المستوى الخارجي؟

القاهرة: صباح موسى
(اليوم التالي)

Exit mobile version