نداء الشمال.. ماذا يريد هذا الكيان؟

بعد لحظات من رفع اجتماع مجلس الشورى الخاص بـ(نداء الشمال) في قاعة الشارقة بالخرطوم الذي انعقد أمس الأول لاختيار النائب البرلماني المستقل عن الدائرة الأولى في الولاية الشمالية أبو القاسم برطم رئيساً للحراك، انفجرت عدد من وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بأبناء الولاية الشمالية الذين انقسموا بين مؤيد ورافض لهذا الكيان.

المشهد ربما لم يكن بحاجة إلى اجتهادات كثيرة لتفسير ظاهرة خروج كيان مناطقي وربما إثني للعلن، تحت لافتة “نداء الشمال” كتعبير عن صوت أغلبية صامتة جديدة ظلت تحتج على سياسات الحكومة المركزية ومنهج الدولة القائم على اختلال معيار التوزيع العادل للسطة والثروة القومية وإبرام اتفاقيات السلام والاستمرار في منهج العدالة الانتقالية والتمييز الإيجابي، ورغم أنها من القضايا الحساسة، التي أقدمت عليها الدولة عبر استراتيجية “شراء الأمن” وتحملت من أجلها خسائر لأجل المصلحة العامة في إطار سياستها لإنهاء التمردات المسلحة ومعالجة مظالم تاريخية معقدة اجتاحت بعض المناطق الجغرافية للبلاد؛ إلا أن الدولة التي استغرقت سنوات عدّة في نهج المصالحات القائم على اختلال توزيع الموارد ربما لم يكن في حسبانها أنها أعادت إنتاج ذات الأزمة ودارت بها في حلقة مفرغة، حتى فوجئت يوم أمس الأول بصوت الأغلبية الصامتة يخرج مجدداً اعتراضه، ولكن في هذه المرة عبر كيان معلن، أعاد للأذهان نماذج كثيرة لروابط وجمعيات مناطقية وإثنية شكلت في معظمها النواة التي قادت فيما بعد التمردات المطلبية العنيفة في مواجهة الدولة.

كيان جغرافي
أسئلة كثير أثارها الرافضون لوجود هذا الكيان واعتبره كثير من أبناء الشمالية، أنه يفتقد لمشروعية التمثيل ويفتقر لأجندة محددة تجعل دعاة جماعة سياسية ذات مطامع خاصة تسرق ألسنتهم للتكسب بها في مزادات الخرطوم السياسية، ومضى بعضهم لاتهام آخرين بتحريك المجموعة التي تقود هذا العمل من وراء ستار وأن الكيان الجديد لا يعبر عن المجموعات الإثنية المكونة للولاية. بعض من هؤلاء سأل أيضاً عن “نداء الشمال” هل هو تعبير عن كيان جغرافي أوسع أم أنه محصور في نطاق حدود الولاية؟! سؤال أجاب عنه قائد هذا الحراك النائب البرلماني أبو القاسم برطم الذي قال في تعليقه لـ(السوداني) إن “نداء الشمال” قصد منه الولاية الشمالية وجميع المكونات السياسية في الولاية من مؤتمر وطني وحزب أمة واتحاديين ويساريين، مقتنعين بفكرة هذا الكيان لأن الولاية الشمالية محتاجة بالفعل للتنمية، ويعتقد برطم أن الجسم تنموي خدمي يهزم القبلية والعصبية المناطقية، ويشير في ذات الوقت إلى أن الوحدة هي الأفضل لأبناء الشمالية لأنها تجعلهم متفقين وصوتهم الأعلى ويجنب أبناء الولاية الشقاق لفوارق التنمية بين محلياتها. ويرى برطم أن “الإطار القومي” أضاع حقوق الولاية الشمالية، التي يعاني سكانها الفقر والتهجير، ويضيف: “تجمعنا للمطالبة بحقوق الولاية وفق الدستور ونطالب بتخصيص نسبة 2% من سد مروي أسوة بما يُمنح لمناطق دارفور وكردفان”.

احتجاج صامت
يبدو من هذه الإفادة التي قدمها أبو القاسم برطم أن نداء الشمال، تعبير عن احتجاج سياسي، للسياسات المتبعة في إعادة تقسيم الموارد القومية والتنمية المتوازنة، ويبدو أيضاً أنه “نداءٌ” يسير على النقيض من المسار الذي يتبعه أبناء الشمالية في تحقيق التنمية والتي تُرجمت في مؤتمر “نهضة الولاية الشمالية” الذي عقد مجلس إدارته اجتماعاً متزامناً مع انعقاد مجلس شورى نداء الشمالية، وكان هدف الاجتماع الأول متابعة سبل تنفيذ توصيات مؤتمر الولاية التي تعتبر الأقل في قائمة الخارطة السكانية للبلاد بحوالي (600) ألف نسمة تقريباً، ومع ذلك لا تبدو الشمالية فقيرة الخدمات إذ أن واقع التنمية بهذه الولاية يشير إلى ارتفاع معدلاتها خاصة مع المشروعات الخدمية التي صاحبت إنشاء “سد مروي” فهي الولاية الوحيدة خارج العاصمة التي تم فيها تشييد مطارين في دنقلا ومروي بجانب “مدينة مروي الطبية” ومدارس جديدة وخدمة رعاية صحية أولية في كل قرية، وتغطية كهرباء تتجاوز 90%، وقد يصطدم خروج نداء الشمالية للعلن بواقع سياسي تشكل عقب مؤتمر الحوار الوطني الذي أقر سياسات بديلة، ومن بينها توزيع الثروة القومية بعدالة. بهذه المعطيات وغيرها يطل سؤال عن مصير هذا الكيان الجديد، هل هو ورقة ضغط يريد أصحابه استخدامه لتحقيق مكاسب سياسية في ولاية تعتبر الأكثر بعداً عن الانتماءات الضيقة والعصبية المناطقية أم أن من يقفون خلفه يريدون له أن يكون نواة لحزب سياسي محلي برنامجه يقوم على بسط الخدمات وزيادة نسب التنمية بالولاية؟!

تقرير: عبد الباسط إدريس
السوداني

Exit mobile version