الخطر القادم..جنوبيون يحاصرون الخـرطـوم

(امتدت تأثيرات أحداث خور الورل بولاية النيل الأبيض الى الخرطوم).. هذه العبارة تذيلت حديث مراقبين وخبراء أمنيين في اجتماع مغلق، وذلك بعد تدفق مجموعات كبيرة لرعايا دولة جنوب السودان نحو العاصمة،

ولعل الخطوة جاءت بعد اجراءات اتخذتها سلطات بحر ابيض ضيقت من خلالها الخناق على لاجئي الجنوب بمدن الولاية الكبرى، فما كان امام هؤلاء خيار افضل من التوجه نحو العاصمة، فجحيم الحرب يحاصر دولة الجنوب ونيران المعسكرات تلتهم الاخضر واليابس.. البعض يرى أن الهجرة العكسية والمفاجئة للجنوبيين تشكل خطراً أمنياً وصحياً يحدق بعاصمة البلاد، خاصة ان الرقابة الأمنية تشير الى هجرات منظمة تقودها بعض الجهات مما يتطلب ترتيبات خاصة..(الإنتباهة) وللتحقق من ذلك قامت بجولة ميدانية واسعة لاطراف الخرطوم، ووقفت على تلك المعسكرات التي تطوق الخرطوم، وتعرفت على ما يدور فيها نهاراً جهاراً.. كل ذلك نستعرضه خلال هذا الملف.
معسكرات بالأطراف
ظلت السلطات الأمنية ترصد كل ما يدور من مخالفات قانونية ومهددات امنية داخل معسكرات لاجئي دولة جنوب السودان والموجودة بالعاصمة، وسبق ان شنت عليها حملات مشتركة شاركت فيها كل الاجهزة النظامية من القوات المسلحة والشرطة وجهاز الامن والمخابرات الوطني، حيث بادرت الشرطة في محلية أمبدة بتنفيذ أكبر حملة مشتركة استهدفت معسكرات رعايا دولة جنوب السودان بالمحلية، ووضعت خطتها وتوزيعها على الوحدات المشاركة وتوفير (40) آلية مجهزة، لترفع التمام بأكبر مضبوط من الخمور البلدية قوامه أكثر من (700) ألف كرستالة خمور كبيرة تمت إراقتها، المعبأة والمعدة للتوزيع التي تجاوزت اعدادها الثلاثين ألف عبوة صغيرة، اضافة الى تدمير (1200) بئر داخل المعسكرات، و(375) وحدة تصنيع، وأكثر من (1700) برميل تمت اراقتها داخل المعسكرات، وهي حملة ضارية نفذتها الوحدات الشرطية من الطوارئ والعمليات والمباحث وأقسام المحلية والقوات المسلحة والجهات العدلية والنيابية بمعسكرات ونقاط اللاجئين بدار السلام غربي أم درمان.
تسرب نحو العاصمة
استقبلت العاصمة خلال الايام الفائتة مجموعات كبيرة من لاجئي دولة جنوب السودان وانتشرت بالمحليات كافة، ورغم ان وضعهم الانساني يجعل لهم نصيباً من التعاطف الا ان هذه المجموعات ظلت تتخير مناطق استراتيجية شكلت في مجملها تهديداً لقاطني تلك المناطق، خاصة الذين اقتحموا الاحياء الراقية واحالوا البنايات تحت التشييد سكناً عشوائياً وسط المخطط، وهؤلاء رصدتهم (الإنتباهة) في كل من منطقة كافوري، الجريف والرياض، ورصدت عدة شكاوى من المواطنين ولجانهم المجتمعية وما يسببونه من مخاطر بيئية وصحية وسلوكية، ومجموعات اخرى ظلت منتشرة ما بين الغابة وسط الخرطوم وشواطئ النيل الأبيض والأزرق تصنع وتروج للخمور البلدية.
داخل كولمبيا السودان
بدأنا جولة (الإنتباهة) بمحلية جبل اولياء حيث يوجد معسكر (مانديلا)، أو كولمبيا السودان، وهو معسكر يحكي عن مأساة خطيرة ومؤلمة، فالعالم هنا لا علاقة له بواقع السودان ولا واقع جنوب السودان، فالبشر هنا أما يترنحون ما بين بيوت (الراحة)، المصنوعة من الخيش وما بين ستات (الإسكوزا بالليمون)، فبيت الراحة مصطلح لبيت الدعارة والاسكوزا هي (العرقي)، وهنا في (مانديلا) كل شيء مباح وتحت نظر الجميع وفي وضح النهار فالمعسكر بلا قانون..
أناشيد الجيش الشعبي
لفت انتباهنا مجموعة من الشباب وهم في جلسة دائرية امامهم كرستالة عرقي كبيرة تسمى (البطل)، ظلوا يحتسونها وهم منتشون ويرددون بعض الأغنيات الحماسية وكأنها (جلالات جيش)، فسألنا احد المارة عن هذا المشهد فقال: هؤلاء الشباب كانوا جنوداً ثم هربوا من الجيش الشعبي في جنوب السودان وتناسوا اين هم الآن؟ وأضاف محدثي أن الواقع مرير بالنسبة للشباب في جنوب السودان الذين فقدوا كل شيء، واصبح طريق الامل امامهم مظلماً، ويرون انهم لو ظلوا سكارى أو داخل سجون الخرطوم افضل عندهم من العودة الى جنوب السودان الذي ضاع من ايديهم في لحظة حلم، هنا استشعرنا أنهم سيظلون هكذا الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.
مشاهدات خطيرة
وواصلنا جولتنا داخل معسكر مانيلا، وتبدو المنازل وكأنها خرابات صنعتها المأساة، فالرواكيب والخيش جعلت من المشهد (خرابات) تدار بداخلها كل ما يخطر ببالك، فالمنطقة خارج السيطرة وكل الممنوعات معروضة على الملأ وبابخس الاثمان، بدءاً بالخمور البلدية والمخدرات، وحتى بيوت الدعارة مفتوحة امام الجميع، فمانديلا منطقة تعيش بقوانينها الخاصة، وهي على بعد مرمى من العاصمة القومية.
رئيس المعسكر
بحثنا عن مسؤول المعسكر، وعلمنا ان اسمه (شول كولانق) وكان رئيس معسكر واراب قبل ترحيله الى جبل اولياء، وما وجدنا صعوبة في اللقاء به، حيث افادنا بقوله: الحياة هنا صعبة جداً، ويعاني الشباب الجنوبي من العطالة والإحباط من الواقع الأليم الذي يعيشونه، فلجأوا الى الخمر ليتناسوا الهموم، وبعضهم يتاجر في الممنوعات كالمخدرات بأنواعها، وأنا شخصياً قد فشلت في الانسجام معهم في جبل اولياء، وهنا في مانديلا لدي معارف كثيرة يتعاونون معي في كل شيء خصوصاً ابناء الجبال، لأن معظم شباب الجنوبيين الموجودين يدخلون في مشكلات سياسية دائماً مع بعضهم البعض، وان اكثرهم من الهاربين من الجيش الشعبي في جنوب السودان، وبدلاً من ان يحترموا قوانين البلد هنا يقومون بالفوضى، وهذا غير صحيح، لأن القانون سيتم تطبيقه على الكل وليس الفرد.. وبينما كنا نتحدث إذا بنا نرى شابين يتهامسان بعبارات لم افهمها، وعندما استفسرت من ذلك علمت أنهم يتاجرون في الحبوب والمخدرات دون خوف أو مراقبة. (نواصل).

الخرطوم: علي الصادق البصير – ملوك ميوت

الانتباهة

Exit mobile version