الجاسوسة !!

*خرجت أطباق الثريد عقب صلاة العشاء كالعادة..

*ولكن كالعادة من غير لحم…منذ أن أُخذت البلاد بالبأساء والضراء..

*ولا أحد يسأل: وأين لحم هذا المرق ؟…فهو هناك بالداخل..

*داخل بيت الحاكم الذي لم يترك (عادة) أكله حتى في تلكم الظروف..

*أو في أحلك الظرف، حين يُؤخذ الناس بالسنين ونقص الثمرات..

*وأما الذين أُخرج لهم الثريد فهم أفراد الحراسة الخاصة..

*ويُطلق على كل واحد منهم لقب (ملازم)…لأنه يلزم دار الحاكم ولا يفارقها..

*وأحد الملازمين هؤلاء كان ذا عينين زرقاوين…وبشرة بيضاء..

*فقد أذله الحاكم بهذه الوظيفة رغم علو مكانته العسكرية- والسياسية- في السابقة..

*بيد أنه استثناه من المبيت أمام الباب كبقية الملازمين..

*وخصص له – مشكوراً- داراً…وأثاثاً…وخدماً…و(رفيقة) اختارها له غصبا..

*وكانت أرملة مصرية…سماها الناس (فاطمة البيضاء)..

*أهداها له بعد أن قضى منها وطرا…وكلفها بمهمة التجسس عليه..

*كان يوجس منه خيفة….ويشك دوماً في ولائه له..

*وفي تلك الليلة لم يأذن له بالانصراف في مثل ذلكم الوقت…كالعادة..

*أي عقب الفراغ من صلاة العشاء…وطعام العشاء..

*فقد طال زمن اجتماعه بالداخل…وزمن يقظة الملازمين بالخارج..

*وكان اجتماع الداخل يناقش قضية الساعة…رسمياً..

*وتسامر الخارج يناقش القضية ذاتها…شعبياً..

*وقضى الأول بفرض المزيد من الرسوم…والضرائب…والإتاوات…على الناس..

*واكتفى الثاني بتحميل الناس أسباب الأزمة…جراء (أفعالهم)..

*ولم يدهش الملازم لكلام زملائه الملازمين..

*فجلهم – تقريباً- ينتسبون إلى الحاكم ؛ قبلياً…وسياسياً…و(مالياً)..

*وقبيل منتصف الليل انفض الاجتماع…وخرج المجتمعون..

*وأُذن للملازم بالانصراف…فقام مسرعاً نحو داره وهو يقاوم النعاس..

*داره التي أضحت اليوم جزءاً من دار الحزب العتيق..

*وكان السكون يخيم على المدينة إلا من أنين الجوع…..هنا وهناك..

*حتى الكلاب كانت تئن من الجوع…عوضاً عن النباح..

*وقرب المكان الذي بات اليوم ملعباً رياضياً عريقاً شاهد منظراً غريباً..

*شاهد- على ضوء القمر- كتلة دهماء تضطرب..

*فلما اقترب منها رأى نسوة ينحنين فوق (شيء)…وشعورهن منسدلة على وجوههن..

*ولم يكن ذاك الشيء سوى جحش مسكين يحتضر من الجوع..

*والنسوة ينهشن لحمه – بوحشية – من شدة الجوع..

*وعندما دلف إلى منزله – مكتئباً – لم يجد فاطمة (البيضاء)…رغم تأخر الوقت..

*وبعد ساعة دخلت وهي تتحجج بزيارة أمها التي طردها..

*قالت إنها ذهبت إليها بطعام…وانتظرت حتى تهدأ حركة (الرجال) في الشارع..

*وصدقها؛ لولا إنه افتقد وريقة سرية…أتاه بها زائر سري..

*وكانت الجاسوسة سبباً في تعجيله بهروبه السري قبل تعاظم مخاوف الحاكم..

*ولكن بعد أن استغلها هي نفسها كعميل مزدوج !!!

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة

Exit mobile version