تمرد الدولار وعجز القادرين !

لا أظن أن راعي الضأن في البادية لا يعلم الكيفية التي يمكن أن يُكبح بها جماح الوحش المسمى بالدولار الذي استعصى على أصحاب القرار بالرغم من أنه نمر من ورق يسهل ترويضه بل وقتله لو تحلى أصحاب القرار بالإرادة والقدرة على الفعل.

لماذا يا ترى هم عاجزون ولماذا هم مكتَّفون ..(بتشديد التاء) ؟!

هناك مائة إجابة لن أخوض في غمارها.

الذي أعلمه أن التفاؤل برفع العقوبات الأمريكية عن السودان قضى نحبه وووري الثرى وصمت المتفائلون والحسرة تقطع نياط قلوبهم، لكن العجب العُجاب ليس في التصاعد اليومي للدولار إنما في العجز عن فعل أي شيء يكبحه أو يحد من جموحه وتمرّده وفي الاستسلام المخزي والكامل الذي لا يشبهه إلا حال من ينتظر إنفاذ حكم الإعدام وقد أعدَّ الجلادُ المشنقة ولم يبق إلا أن يُساق المحكوم إلى حتفه.

عجز كامل ولا أحد يدري من هو المسؤول عن اتخاذ قرار ينقذ ما يمكن إنقاذه بعد أن رفع القائمون على أمر الاقتصاد أيديهم وفغروا أفواههم وكأن على رؤوسهم الطير في انتظار مجهول ينقذهم أو موت يقبرهم .

بالله عليكم من تراه لا يعلم أن هناك واردات استفزازية تافهة لا تتعامل معها – أكلا واستهلاكاً – إلا قلة مُترفة.. بالرغم من أنها تُضيِّق الخناق على الجنيه ويعلم القائمون على الأمر أنها تافهة ولا قيمة لها ولا تستحق أن تُفتَح لها الأبواب لتزيد من أوجاعنا وأوجاع الجنيه السوداني وتُلهب السوق الذي أصبح مقوداً بالدولار لا بعُملتنا الوطنية المهيضة الجناح؟!

من تراه يقف حائلاً دون اتخاذ قرار لوقف تلك الواردات الاستفزازية التي، فوق تأثيرها على الدولار، تُنافس وتُضيِّق الخناق على المنتج الوطني؟ لماذا لا ترفع الجمارك والضرائب على الواردات غير المهمة والاكتفاء بالسلع ذات الأهمية القصوى مثل مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي؟!

من تراه يحرس حدودنا من تهريب بعض السلع الاستراتيجية بما فيها الذهب والمنتجات التي يًفاقم تهريبها من الضغط على الدولار؟!

لماذا نعجز عن حل مشكلات الصادر؟ لماذ نعجز عن وقف جبايات الطريق من مناطق الإنتاج إلى ميناء الصادر والتي ترفع من أسعار منتجاتنا الحيوانية والزراعية وتخرجها من المنافسة خارج السودان؟! كم تحوِّل العمالة الأجنبية المنزلية وغيرها إلى بلادها عبر السوق الأسود؟!

أين الخبراء من أصحاب العلم والبصيرة الذين أبعدناهم من مراكز القرار والتأثير على غرار من يفقأ عينه بأصبعه؟!

ما علاقة مراكز القوى، التي سمّاها وزير المالية السابق بدر الدين محمود بالدولة العميقة، في تعويق الإصلاح الاقتصادي وكبح جماح الدولار؟!

لماذا نفشل في إنفاذ سياسات ذكية ومعلومة لجذب مدخرات المغتربين بينما تنجح مصر وأثيوبيا ودول أخرى كثيرة كانت حتى وقت قريب أكثر تخلُّفاً منا؟!

هل حاسبنا (البصيرة أم حمد) التي اتخذت القرارات الفاشلة التي رفعنا بها سعر الدولار قبل نحو ثمانية أشهر بهدف جذب أموال المغتربين فلا نجحنا في تحقيق ذلك الهدف بقدر ما (نجحنا) في شن الحرب على الجنيه وضاعفنا سعر الدولار بدلاً من خفضه؟!

لماذا تنجح دولة ناشئة شحيحة الموارد مثل إريتريا في السيطرة على الدولار، ولا أقول أثيوبيا التي تجاوزتنا بسنوات ضوئية، ونفشل نحن بل لماذا يهرب رجال الأعمال السودانيين إلى دول الجوار وكيف نجذب المستثمر الأجنبي لدخول السودان وهو يشهد هروب رأس المال (السوداني) إلى دول أخرى؟!

لماذا نُصر على (رفض) تعيين آلية مستقلة لمكافحة الفساد بعد نحو عامين من صدور قانون الشفافية ومكافحة الفساد، وما هو مُبرّر إصدار ذلك القانون إن كنا لا نرغب في اختيار من يضعه موضع التنفيذ حتى بعد أن تذيَّلنا دول العالم في تقارير منظمة الشفافية الدولية؟!

نُكثر الحديث ونعقد الورش والمؤتمرات حول الإنتاج والإنتاجية منذ عقود من الزمان ورغم ذلك (نعجز) رغم وجود الخبراء والأرض البكر والماء الوفير وغيرها من المؤهلات التي اضطرت منظمة (الفاو) إلى الاعتراف بأننا إحدى أهم الدول المنقذة للعالم من الجوع الذي يتهدّده!

ما الذي يجعل إنتاجية فدان الذرة في بلادنا، باعتراف بنك السودان، نصف طن بينما في أثيوبيا أكثر من طنين وفي مصر أربعة ونصف طن (تسعة أضعاف السودان)؟!

للأسف فإن تدني الإنتاجية يسري على كل إنتاجنا الزراعي بما في ذلك القطن والقمح والذرة والفول والسمسم وغير ذلك .

لماذا نفشل في ما نجحت فيه دول أفريقية سبقناها في التعليم الجامعي بعقود من الزمان بل قبل أن تُولد بالرغم من أن علماءنا يبذلون في أرجاء الدنيا بما في ذلك أوروبا وأمريكا؟!

إنه عجز القادرين على التمام فماذا نفعل غير تجرُّع الحسرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً؟!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version