ضياء الدين بلال: كبار تجار العملة معروفون بالاسم والعنوان؛ لهم قرى وأحياء، بعضهم رموز مجتمع وآخرون في قوائم البر والإحسان!

معركة الرئيس!

1 – في الزيارة الأخيرة لأوغندا عرفت أن سعر العملة لم يتغير منذ عامين، رغم شح الموارد وضآلة الصادرات.
موسيفيني بائع الألبان وثعلب حظيرة الدجاج.
يومٌ معك وغداً عليك.
في زياراتي المتعاقبة لمصر لاحظت كيف استطاعت الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة إيقاف تدهور الجنيه المصري والحفاظ على كرامته في مواجهة سطوة الدولار وشدة بطشه.
البنك المركزي المصري أصدر من القرارات ما أدى إلى ترشيد الاستيراد إلا في الحالات الملحة والمنتجات الضرورية فقط .
لم تكتفِ الحكومة المصرية بذلك، بل ألحقت الإجراءات باستخدام عصا الزجر والترهيب .

جاء تعديل القانون لتشديد العقوبات كما يلي:
( يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة تُساوي المبلغ محل الجريمة، كلُّ من يتعامل فى النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها بذلك، كما تنص على أن يُحكم في جميع الأحوال بمصادرة المبالغ محل الجريمة).
-2-

في بعض الدول الإفريقية القريبة؛ التجارة في العملة الصعبة مجرَّمة أكثر من تجارة المخدرات وبيع السلاح.
في وسط الخرطوم صغارُ تجارِ الدولار تجدهم أكثر انتشاراً من قوات الشرطة وأكثر جرأةً من نساء الليل وشواذ الطرقات.
كبارهم يبذلون جهداً أقل ويحصدون المليارات بين ساعة وأخرى وغفوة وانتباهتها.
تجارة رابحة إلى تماس الفحش وآمنة إلى مدى الاسترخاء.

من أَمِن العقاب أساء لكل شيء.
إساءة الأفعال أبلغ من إساءة الأقوال.
-3-
من تقاطع المك نمر مع شارع البلدية إلى قلب السوق العربي صغار المضاربين يلوِّحون جهاراً نهاراً بالعملة الوطنية مُهانة القيمة.
الصغار يتبارون في العبث بكرامة الجنيه السوداني، دون مراعاةٍ لهيبة الركابي أو احترامٍ لوداعة حازم!
في مساحة محدودة وعالية الحساسية وذات حضور أمني كثيف وكاميرات مراقبة مثل مطار الخرطوم قبل أن تقابل مستقبليك من الأهل والأصدقاء تجد صبية الدولار في استقبالك بابتسامة مراوِغةٍ وهمسٍ جهير: (داير تغيِّر عملة؟!).
هذا المشهد لن تجده إلا في السودان.
كبار تجار العملة معروفون بالاسم والعنوان؛ لهم قرى وأحياء، بعضهم رموز مجتمع وآخرون في قوائم البر والإحسان!

-4-
تجارة العملة في الخرطوم ليست نشاطاً إجرامياً سرياً يحتاج إلى تدابير وتحوطات، هو عمل عادي وطبيعي مثل بيع مناديل الورق، يُمارس في العلن على بوابات المطار وفي الطرقات.
تجارة العملة نشاط، رغم خطورته وضرره الذي يبلغ أذاه كل فرد سوداني (لمَّن يقول الروب)، ليس معاباً اجتماعياً وليس مجَرَّماً في الواقع والتطبيق.
أسوأ من الفساد التطبيع مع الفساد وتحوُّل المجرمين إلى رموز واللصوص إلى وجهاء مجتمع.
لماذا لا يرتفع الدولار وتتصاعد أسعاره على مدار الساعة مثل ما حدث ليلة الخميس الأسود، إذا كانت بائعات الشاي أخطر على الحكومة من تجار العملة؟!!
يومٌ أسودُ يُضاف إلى رزنامة الهم العريض.
الإثنين الأسود (حادث موت جون قرنق) والسبت الأسود (هجوم خليل).
أما الخميس الأسود يوم (جنون الدولار).
-5-

قبل ست سنوات كتبت في هذه المساحة تحت عنوان: ( أيهما أخطر.. عقار أم الدولار؟).
وختمت العمود بالقول: (الخطر على الحكومة لا تحالف كاودا ولا تجمع لندن، ولا تمرد عقار ولا تحرك عرمان، ولكن الخطر الأكبر جنون الدولار).

الآن قررت الحكومة خوض معركتها الوجودية مع الأعداء الحقيقيين.
اجتماع الرئيس البشير مع كبار رجال الدولة في الاقتصاد والأمن والقانون بالقصر أمس خرج بقرارات هي الأقوى والأوضح في محاولات السيطرة على الوضع قبل الوصول إلى نقطة الصفر.
نقطة الصفر حينما يصبح الجنيه بلا قيمة ولا جدوى مثل أوراق أشجار الشتاء.
نقطة الصفر حينما ينقطع عن الاقتصاد أكسجين الحياة ويصاب الفريق الركابي بهاء السكت وحازم المركزي بعين العجز.
القرارات قوية وواضحة ورادعة ولكن نخشى عليها من التمييع والتسويف.
كم من قرار صدر ولقي مصرعه على الورق قبل أن يجف الحبر وتتسع السطور.
خفض الإنفاق الحكومي، تقليل السفر الخارجي، سيارات جياد بدلاً عن اللاندكروزرات!
-أخيراً-
سيدي الرئيس:
أنت الآن في (ميوم) أخرى، المعركة أصعب وأشرس.
خُضْها بما تستحق من جسارة وإقدام مثل ما فعلت يومذاك مع رياك مشار.
سيدي الرئيس.. أين حلفاؤنا من العرب ؟!!

ضياء الدين بلال

Exit mobile version