-1- ما حدث بمُستريحة كان متوقعاً حدوثه ولو بعد حين.
كثيرون يرون أنه تأخَّر عن موعده، حتى رجح الظن بأن الحكومة تخشى مواجهة موسى هلال، أو بمعنى أكثر وضوحاً وسفوراً، أنها تجبن عن فعل ذلك.
(موسى في يده حديدة).
حينما أخرج موسى هلال تسجيلاته الصوتية، وكال فيها الإساءات والسباب للحكومة ورموزها؛ أرسلنا على بريده هذه الرسالة:
الحرب أولها كلام، والكلمات كالرصاص، ما تقوله وتُردِّدُه من أقوال عبر تسجيلات الواتساب يسيء إليك، ويجعل من مهمة نزع السلاح واجباً حتمياً يصعب على الحكومة التراجع عنه.
لم تترك للحكومة خياراً، فإما أن تغض الطرف عنك وتنكسر هيبتها وهيبة رموزها، أو تواجهك عسكرياً مهما كانت النتائج والمترتبات.
-2-
من الواضح أن الحكومة لم تكن ترغب في تلك النهاية التي وصل إليها الشيخ موسى هلال، حاسر الرأس مقيداً بالأغلال، فللرجل وزنٌ في معادلات دارفور؛ ودورٌ سابقٌ في خدمتها، ما كانت الحكومة راغبة في تجاوزه.
لكل ذلك مدت له حبال الصبر، وأوسعت له صدر الحكمة، منذ شروعه في مغازلة الحركات المسلحة عبر البيانات وتوقيع الاتفاقيات.
موسى هلال جعل من مكان نفوذه منطقة خارج سيطرة الحكومة، وكان لا يكفُّ عن استفزاز السلطات الولائية بشمال دافور بالأقوال والأفعال، من الوالي عثمان كبر حتى ساعة القبض عليه.
كنتُ أُشفق وقتذاك على عثمان كبر، كيف يحتمل كل تلك الإساءات ولا يردُّ حتى بكلمة واحدة؟!
(موسى في يده حديدة).
-3-
هلال جعل من منطقته الجغرافية دولة داخل دولة، يفرض الجبايات والإتاوات وينقب عن الذهب، ويُهرِّب ما نتج إلى الخارج، ويعقد الاتفاقيات السياسية، يدعم حفتر ويغازل السيسي.
تمرُّدُ موسى هلال بدا من داخل الخرطوم (ديوان الحكم الاتحادي)، وهو أقرب وزارة لمباني القصر الجمهوري ومن داخل البرلمان.
لم يكن هناك مُعقِّبٌ على ما يقول ويفعل موسى هلال.. كل المسؤولين يتجنبون التعليق على تصريحاته، ولو بالعتاب الخجول.
حينما فُصِلَ دكتور غازي صلاح الدين من البرلمان، لتصريح صحفي مُقتضب أدلى به، كان الجميع يتساءلون: ولماذا يُترك موسى هلال الغائب عن الجلسات والذي تمتلئ الصحف بحواراته النارية والناقدة حدّ الجرح والأذى للحكومة وحزبها الحاكم؟!
كانت المجالس تهمس: (موسى في يده حديدة).
-4-
كلما صمتت الحكومة وتجنَّبَتْ الرد والتعليق على شظايا موسى هلال وتحرشاته الإسفيرية، تمادى الرجل في العدوان والاستخفاف بالدولة ورموزها.
لم يكتفِ موسى هلال بالأقوال، بل بلغت به حالة الزهو والشعور بالقوة حدَّ تجاوز التنسيق مع الحركات المسلحة إلى أداء أدوار إقليمية، وخلْق شبكة علاقات خارجية.
قبل شهرين أو أكثر، كشف نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن معلومات دقيقة عن توقيف مجموعات تابعة لموسى هلال، في الحدود السودانية الليبية.
وقال إنهم كانوا على صلة باللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مبيناً أنه أثناء التحري معهم اعترفوا بأنهم كانوا يخططون لتجنيد نحو ألف شخص من دارفور للقتال في قوات حفتر!
-5-
وحينما قررت الحكومة إطلاق حملة جمع السلاح في دارفور، كان موسى هلال أول المتصدين لها بالأقوال والأفعال.
وأعلن مراراً وتكراراً الرفضَ وعدم الانصياع.
لم تتوقَّف الوساطات، ولم تنقطع الاتصالات، وموسى لا يستجيب!
وحينما حدث ما حدث بقتل القائد الميداني للدعم السريع، عبر نصب كمين ، كان هلال في تلك اللحظة قد اختار لحظة الهجوم وإلقاء القبض عليه.
سقطت (الحديدة) من يد موسى هلال وأُلقي القبض عليه.
-6-
باعتقال موسى هلال نجحت الحكومة في إعادة الأوضاع إلى نصابها، واستعادة دورها الأساسي، على قاعدة ماكس فيبر لتحديد ماهية الدولة: (مشروعية تنظيم المجتمع واحتكار العنف وتوجيهه).
احتكار العنف لا يتم إلا بالسيطرة على أدواته.
لم ينتبه أحد لملاحظة مهمة: تحت وطأة الغضب والحزن على قائدها الميداني، كان بإمكان قوات الدعم السريع تصفية هلال ومن معه، والادعاء بأنهم قضوا نحبهم أثناء الاشتباكات.
لم تفعل قوات الدعم سريع ذلك الفعل الهمجي، واختارت لنفسها الخيار الأفضل، الاعتقال والاحتكام للقضاء العسكري.
-أخيراً-
كان على قوات الدعم السريع أن تُكمِلَ حُسْنَ صنيعها بعدم السماح بتصوير موسى هلال وهو بتلك الصورة لعدة اعتبارات، كان يجب أن تكون موضع تقدير جهات الاختصاص.
ضياء الدين بلال
