ماذا تنتظر وزارة الخارجية ؟!

أرجو أن تعذروني قرائي الكرام لعدم إصداري البيان الذي وعدتكم به رداً على السفارة الأمريكية بالخرطوم التي شنت عليّ هجوماً ضارياً واتهمتني بإثارة الكراهية ضد أمريكا وشعبها وبالتحريض عليهم بل واعتبرتني زوراً وبهتاناً ، مشاركاً في الحكومة التي حملتها مسؤولية ما يصدر عنّي من آراء في ابتزاز رخيص هو دأب أمريكا ومؤسساتها بعد أن نصبت نفسها رباً أعلى لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون فهي التي يحق لها أن تقتل وتُخرب وتُدمّر وتتآمر وتظلم وتفعل ما لا يجرؤ الشيطان الرجيم على فعله، أما نحن فلا يحق لنا أن نكتب سطراً واحداً عن جرائمها النكراء رغم ما تتشدق به من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

لقد انشغلت بمهام برلمانية استغرقت كل يومي تقريباً ولذلك لم أتمكن من إصدار البيان فمعذرة.

استعيض عن البيان ، الذي ربما أصدره غداً إن شاء الله ، بتعليق على بيان آخر أصدرته سفارة الرئيس الأمريكي ترمب في الخرطوم طالبت فيه بإلغاء ما سمته بمادة الزي الفاضح في القانون الجنائي السوداني ، في سلوك غريب لا أجد له تفسيراً غير أن تلك السفارة المتغطرسة تتصرف في سوداننا هذا المغلوب على أمره باعتبارها السلطة العليا والآمر الناهي في بلادنا الأمر الذي يهدر كل معاني الاستقلال السياسي الذي نحتفل بذكراه هذه الأيام!

أعجب والله العظيم وأتساءل ..ماذا بربكم تنتظر وزارة خارجية السودان أكبر من ذلك لكي تغضب وتثأر لكرامة السودان وشعبه؟!

سفارة الأحمق ترمب في الخرطوم طلبت في بيانها من حكومة السودان التي ربما ظنت أنها جزء من هيكلها الإداري أو تحت سلطة القنصل الأمريكي مثلاً .. طلبت من حكومة السودان (تعديل أو إلغاء المادة 152 من القانون الجنائي المتعلق بارتداء الزي الفاضح حتى تتواءم مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)!

مضت السفارة في بيانها لتنتقد (استمرار اعتقال الآلاف من النساء) بموجب تلك المادة قائلة إن ذلك (يمثل انتهاكاً لسلامة المواطنين وكرامتهم والحريات المدنية)!

إذن نهنئ بائعات العرقي والخمور البلدية اللائي اعتقلن في معسكرات النازحين الجنوبيين في محليات أمبدة وجبل أولياء وشرق النيل، فقد تولت السفارة الأمريكية في الخرطوم أمرهن ولا أظن أن بمقدور وزارة الداخلية بعد أن أصبح هؤلاء النسوة تحت حماية سفارة السكّير ترمب .. لا أظنها إلا مستجيبة لأوامر السفارة الأمريكية بالخرطوم ولا أظن وزارة العدل إلا منصاعة للأمر السامي الأمريكي بإلغاء مادة الزي الفاضح حتى ولو تسبب إلغاؤها في امتلاء الشوارع بالعاريات والعاهرات والمخمورات و(الحايمات بالمايوه) في شوارع الخرطوم!

هذا ما تتوقعه سفارة أمريكا التي ظنت أن رفع العقوبات عن السودان أو سعي السودان للخروج من قائمة إرهابها يُتيح لها أن (تقل أدبها) وتتجاوز حدودها وتعتقد أن السودان أصبح مكتباً داخل مقر السفارة يأتمر بأمر السفير الأمريكي ويتلقى التوجيهات التي لا تقبل النقاش.

إذن فإن سفارة أمريكا في الخرطوم تطلب من حكومة السودان (عديل كده) ولا ترجو .. تطلب بما يعني أنها تأمر بتنفيذ الطلب .. تطلب تعديل أو إلغاء مادة الزي الفاضح وتأمر بإطلاق سراح سجينات العرقي حتى لا تهدر (كرامتهن)، أما كرامة السودان التي تمرغت في الوحل والطين جراء ذلك التطاول السافر والاستعمار الصارخ من سفارة ترمب على قرارنا السياسي واستقلالنا الوطني، فلا تعني أمريكا في شيء وهل تسعد أمريكا إلا بقهر الشعوب وإذلالها؟!

وتتحدث السفارة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينبغي أن (ننصاع) له (كراعنا في رقبتنا) ولا يهم إن كنا موقعين عليه أم لا طالما أن (سيدتنا) أمريكا موقعة وهل يجوز لنا أن نعترض على ما توافق عليه أمريكا ؟!

إذن فإن أمريكا تأمرنا بالإذعان للعهود والمواثيق الدولية حتى لو كانت تبيح الشذوذ والمثلية الجنسية كما تأمر بإلغاء مادة الزي الفاضح أو تعديلها لكي تلبس فتياتنا ما تلبسه عاريات أمريكا !

سبحان الله ! هذه هي أمريكا التي تكثر الحديث عن الحريات وعن التعددية الثقافية لكنها تطالبنا وتأمرنا بأن نندرج في ثقافتها ونلبس ما يلبسون ونفعل ما يفعلون متبعين سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لا نفعل غير أن ندخله معهم.

ماذا بقي من كرامة السودان يا وزارة خارجية السودان وهل بلغ بنا التهافت والهرولة درجة أن تصدر السفارة هذه الأوامر عبر الصحف وعلى رؤوس الأشهاد بدون أن تخشى أي رد فعل من جانبنا يرد لهذا الوطن وهذا الشعب كرامته وهو يحتفل بأعياد استقلاله؟!

يجب أن يُستدعى سفير أمريكا من قِبل وزارة الخارجية ويُبلّغ أن عليه أن (يرعى بي قيدو) ولا يتجاوز حدوده ولا يحشر أنفه ويتدخل فيما لا يعنيه كما ينبغي أن يُقال له إن أمريكا تحتاج إلى السودان كما يحتاج إليها وما رفعت أمريكا عقوباتها عن السودان إلا لأنها احتاجت إلى ملفات أمنية وعسكرية وسياسية لا يملكها غيره في محيطه الإقليمي وحذار من تمزيق الأوراق التي في يد السودان فأمريكا ، كما قال كيسنجر ، لا تدفع ثمن ما يُهدى إليها ولا تحترم إلا الأقوياء وليتنا نمضي في توجهنا نحو روسيا ويومها ستهرول أمريكا نحونا إن شاء الله.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version