تغيير الوزراء .. تكرار تجارب وفشل سياسات

ما يجري داخل أروقـة حكومة الوفاق الوطني ، يذكرني بحالة التوهـان التي تنتاب الكثيـر من الأندية الرياضية عقب تعرض فريق الكرة إلى هزيمة ، حيث يحاول مجلس إدارة النادي المعني امتصاص غضب وثـورة أنصار الفريق بإقالة المدرب أو الجهاز الفني بكامله وتسمية جهاز فني جديد ،

بغية أن تـؤدي الخطوة ولو مؤقتاً إلى تهدئة الجماهيـر ، مع الأخـذ في الاعتبار أن فرضية نتائج المباراة في عالم كرة القدم لا تخرج عن ثلاثة احتمالات ، إما الفـوز أو التعادل أو الخسارة ، وكل فريق يمنّي النفس بالفـوز أو التعادل على أسـوأ الفروض ، ولا تكون تأثيـرات الخسـارة كبيـرة إلا في حال تلقّى الهزيمة من الغريم التقليدي أو التعرض لهزيمة من فريق متواضع .
حكومة الوفاق الوطني وعقب الإعـلان عن موازنة الدولة للعام 2018 تعرضت لذات الحالة من التوهان ، خاصة بعد الارتفاع الجنوني وغيـر المبـرر لأسعار السلع الضرورية والتي تمثل من وجهة نظري هزيمة كبيـرة للحكومة التي طرحت شعار الاهتمام بمعاش الناس ، فكانت تداعيات الموازنة الجديدة خصماً على معاش الناس قبـل أن تخصم من رصيد الحكومة وبرامجها وتفـاعل المواطنين معها ، خاصة وأنها أي الحكومة ولدت بعض مخاض عسيـر لتجربة طويلة من حوار وطني ، تطاول أمده وتفأل به الشارع السوداني آملاً أن تكون مخرجات هذا الحوار مدخلاً للتخلص من أمراض سكنت جسـد الوطن ونالت من عافيته سنيـن عددا .
حكومة الوفاق الوطني دخلت (ميـدان ) موازنة الدولة للعام 2018 وهي تدرك سلفاً تأثيراتها على المواطن في ظل الحديث عن رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية كالدقيق ، ورفع قيمة الدولار الجمركي وانعكاس ذلك على الكثيـر من السلع المستوردة والتي ستلقي بتبعاتها السلبية على المستهلك ، خاصة في ظل جشع بعض التجار الذي (استثمروا ) في هذا الوضع وسارعوا إلى رفع أسعار الكثيـر من السلع مستغليـن سياسة التحريـر الاقتصادي ، فكان ذلك بمثابة الشرارة التي انطلقت لتشعل الغضب في نفـوس المواطنين الذين شعروا بخـذلان كبيـر من قبل الحكومة وهي تتفرج على جشع التجار وتنامي سطوة الأسعار .
قطعاً لن يكـون ما يـرشح حالياً من تسريبات عن نيّـة الحزب الحاكم إجراء تعـديـلات في طاقمه الوزاري بحكومة الوفاق الوطني ، سـوى محاولة لامتصاص غضب الجماهيـر ومداراة الفشل في تحقيق أهداف وبرامج الحوار الوطني في الشق الاقتصادي والمتعلقة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي من خـلال الاهتمام بمعاش النـاس والسيطرة على انفـلات الأسواق وخفض التضخم وتماسك العملة الوطنية أمام اجتياح العملات الأجنبية و،،،،،،، و،،،،،،، و،،،،،،،،، فالتعديلات المرتقبة ، سـواءً كانت محدودة أو كاملة ، لن تجـدي فتيلاً ، والتجربة خيـر برهان فقد شهدت الفترة الماضية تعديلات قضت بذهاب وزيـر المالية ( علي محمود ) فخلفه على كرسي الوزارة ( بدر الدين محمود ) الذي خرج من بـوابـة ارتفاع الدولار ، تاركاً المقعد للوزيـر الحالي الفريق دكتـور ( محمد عثمان الركابي ) ، فهل استقرّ الاقتصاد الوطني أو تطـّور واقعه ؟ هل نجح الجنيه السوداني في الصمود أمام الدولار ، هل تراجعت الأسعار ؟ بالطبع لا ، فقد حدث العكس تماماً ، وازداد الطيـن بلة .
إذاً انتهاج الحكومة ذات المواقف التي تتبّعها الأندية الرياضية في حال التعرض للهزيمة لن تحقق الأهـداف المنشودة ، فعلى الحزب الحاكم أن يجرّب نهجاً جديداً غيـر تغيير الطاقم الوزاري ، فكثيـر ما ذهب وزراء جّيدون وخلفهم من هم أقلّ منهم قامـة وعطاءً ، وحتى في حال حضور وزيـر مقتـدر يظل الحال على ما هو عليه أو يتراجع !! إذن تغيير الوزراء ليس حلاً وإنما الحل الحقيقي يكمن في تغيير السياسات ، فالسودان يزخـر بالكفاءات في مختلف المجالات ، وقـد كانت لها أيـاد بيضاء في النهوض باقتصاديات الكثيـر من الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي ، أعطوا هذه العقـول فرصة التخطيط ووضع السياسات ولن تندموا ، كفانا تجريباً وفشلاً وكفانا واقعاً مخجلاً ..

إسماعيل جبريل تيسو
صحيفة الانتباهه.

Exit mobile version