العائد الدولاري للذهب سوف يتسبب في صدمة هائلة داخل السوق الأسود بما يفتح عليه نور يمحو سواده

أنفقت اليوم “الأحد” كله ما بين أنحاء البرج وبنك الخرطوم، في الحقيقة خرجت منذ الصباح الباكر وأنا عازم على فتح حساب بالدولار لتلقي تحويل خارجي وبالمقابل سحب مبلغ مالي محدد، كان هنالك زحام شديد، وطلب على استمارات السحب، الصراف يعمل بسعة أقل، توقف معي عند مبلغ أربعمائة جنيه كحد أقصى، كررت المحاولة فكانت الشاشة تشهر نفس المبلغ، سحبت البطاقة ومعها تذكرة وجلست في المقاعد الأمامية، لاحظت أن الأرقام تتوقف لأكثر من ساعة، كانت تجلس بالقرب مني سيدة في عقدها الخامس تقريباً وتتلاعب بحبات سبحة طلباً للأجر وكسراً للملل، قالت لي : في شنو يا ولدي الناس ديل مربوكين كده؟ أخبرتها بأن الإقبال على سحب النقود غير طبيعي، وغالباً للسلطات يد في ذلك وللعملاء أيضاً يد، حاولت أن أشرح لها ما لم أكن قد فهمته، بدا موظف شديد الوسامة بالتنويه لمن يرغبون في الايداع، وتلك ميزة على الراغبين في السحب، لو طلبوا عصير ليمون بالنعناع لاستجاب لهم المدير، أعني المودعين، بالفعل تقدموا علينا وكانت الحجة توفير سيولة مالية ليتمكنوا من تلبية طلباتنا، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تطفح بالشائعات والمنشورات المخيفة، وكان أكثر ما يهمني خطاب الرئيس وتلمس ردود الأفعال الأولية، وإذ ما كان السوق سريع الاستجابة لأي قرارات، لم يخيب الرئيس ظني لسبب وحيد وهو أنه يراهن على ما يقوم به من اجراءات خفية ويعتقد تماما أن الوضع مستقر، وأن الأزمة مجرد تبعات زلزال يثير حممه داخل قطاع المصارف والمركزي، خرجت من بوابة البنك المشرعة على السفارة المصرية، بعض الشباب ينتظرون فيزا للعبور إلى القاهرة، ولا يعبأون بعودة السفير عبد المحمود، لم تكن النافذة مزدحمة على عادتها، دخلت أنحاء السوق الأسود للدولار، قررت شراء مائة دولار وتنشيط حسابي الجديد، كانت الأسعار تتراوح ما بين ٣٩ – ٤٠_ ٤١

الساعة تقترب من الواحدة ظهرا، معظم الصرافات خرجت من الخدمة، وتبقت فقط بعض الملاصقة للبنوك تعمل ببطء متثاقل، لكنني فوجئت أن السعر المتاح جدا للدولار ٣٩ وهذا لا يكفي للقطع به كسعر نهائي، لأن السعر في الحقيقة يحكمه قانون العرض والطلب، وهنا يمكنني القول من خلال جولتي الميدانية أن الطلب على الجنيه أعلى، لدرجة أن عمليات مقاصة بين المواطنين حدثت أمامي، عوضا عن ايداع مبلغ مالي تستطيع أن تسلمه لأقرب جار مقابل التحويل من حسابه إلى حسابك مباشرة، ودي بالمعرفة طبعا، المهم تمكنت بسهولة من شراء مائة دولار وأودعتها بسهولة، ولاحظت أيضا تراجع قيمة السحب إلى أقل من عشرة ألاف جنيه منتصف النهار، لسؤ الحظ كانت الصرافات مرهقة من ولادة الرواتب الشهرية، وهذا جانب لتفسير الزحام، بخلاف رغبة رائجة في ضرورة السحب وتحويل العملة السودانية إلى دولارات وذهب للحفاظ على قيمتها، وخلق ذلك ذلك شح في الجنيه ما تسبب نهاية اليوم في تهاوي الدولار، كما أن كثير من الذين حولوا أموالهم للدولار أصبحوا أمام مشكلة أخرى وهى توفير نقود سودانية للإيفاء بالاحتياجات اليومية، ما خلق رغبة جديدة في استبدال العملة الأجنبية بالمحلية، وتلك هجمة مرتدة بالضرورة، أشبه بخنق السيوله وامتصاصها، والاحتمال الثاني في ذلك الشح هو أن الحكومة السودانية التهمت الكتلة النقدية وجيرتها لعملية شراء الذهب عبر البنك المركزي، وإن كان ذلك صحيحاً فإن العائد الدولاري للذهب سوف يتسبب في صدمة هائلة داخل السوق الأسود بما يفتح عليه نور يمحو سواده.

بقلم
عزمي عبد الرازق

Exit mobile version