البطيخ المفترى عليه !

أود أولاً أن أتقدم بتعازيّ الحارة لأسرة الطفلين اللذين فارقا الحياة بعد أن تناولا بطيخة مسمومة أو هذا ما رشح من أخبار حول أسباب الحادث الأليم.

رغم ذلك فقد شعرت بالحزن للتناول الإعلامي غير الموفق والمتواتر للحادث ودمغ البطيخ بصورة جعلت منه بعبعاً يٌمنع الاقتراب منه ناهيك عن تناوله، وقبل الاستطراد أود أن أنوه إلى أن لجنة شؤون المستهلك قد قامت بسحب عينات من البطيخ لفحصها لدى الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس.

أقول إنه لولا بغضي لنظرية المؤامرة التي باتت إجابة سهلة يُدمغ بها كل فعل لا يرضي أية فئة من الناس لقلت إنها مؤامرة تستهدف أولئك المساكين من زارعي البطيخ ذلك أن الصحف خاضت في القضية وجرمت البطيخ وأصدرت حكماً ليس فقط بالإدانة إنما بالقتل العمد في مواجهة ذلك المتهم المفترى عليه قبل أن تستمع إلى الشهود أو تطلع على تقرير الفحص لدى هيئة المواصفات.

أعلم أن البطيخة عندما تفتح أكثر عرضة للتسمم لو تركت في العراء لأيام وسمعت مراراً منذ الصبا بحوادث تسمم تسبب فيها البطيخ جراء أكله بعد عدة أيام من فتح البطيخة دون وضعها في الثلاجة لكن هل تقتصر حوادث التسمم على البطيخ أم أنها تشمل أصنافاً أخرى كثيرة من الأغذية والأطعمة واللحوم؟!

لقد سمعنا وقرأنا أن عشرات بل مئات الأطفال تسمموا في حوادث متفرقة في المدارس والداخليات جراء تناولهم وجبة سامة، وليسأل كل منا نفسه كم مرة أكل بطيخاً في حياته، وهل حدث أن تسمم ولو مرة واحدة، وهل يُعقل أن نُجرِّم هذه الفاكهة الصديقة اللذيذة لمجرد أن هناك اشتباهاً واحداً حولها؟

كثيراً ما يتجاوز النشر حدود المعقول وأجد مبررات لمن يعترضون على كثير مما يُنشر في صفحات الحوادث ولا أزال أذكر احتجاجات وزير الصحة بروف مأمون حميدة على إيراد الصحف معلومات مغلوطة أو مُبالغ فيها حول انتشار بعض الأمراض المعدية مثل الأيدز لما لذلك من تأثير سالب على سمعة البلاد أو على تعامل الدول مع المغتربين السودانيين أو على السياحة.

ليت لجنة حماية المستهلك تقلل من (اندعارتها) ليس حول تسمم البطيخ الذي لا أشك في أن التناول الصحفي السالب قد نال منه وأثر في تعامل الناس معه إنما في كل القضايا الأخرى التي تتأثر بالنشر الصحفي.

نجابة (خريج) الروضة!!

لم أعرف أأضحك أم أبكي عندما قرأت إعلاناً في إحدى الصحف لطفل (تخرج) في إحدى رياض الأطفال نشر بجانب صورته بيت الشعر الشهير (نعم الاله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأبناء) مع قطعة أدبية رفيعة تتحدث عن عبقريته الفذة!

من حق الأسر أن تحتفي وتحتفل بابنائها مهما كان السبب تافهاً، ولكن هل من حقها أن (تفرض) علينا إعلاناً لنحتفل معها (بعبقرية) طفلها الذي تخرج في الروضة، وهل يحق للصحيفة أن تنشر كل شيء طالما أنه مدفوع القيمة؟!

قبل أيام قليلة أصرت امرأة على زوجها الفقير الذي لا يمتلك لكسب عيشه غير رقشة .. أصرت عليه أن يدفع ألفي جنيه رسوماً فرضتها إدارة الروضة على طفله وعلى كل الأطفال للاحتفال بالتخريج في صالة مناسبات .. كان ذلك كثيراً عليه بعد ستة آلاف جنيه رسوم سنوية (عافر) طوال العام لسدادها (فعصلج) الرجل وشكا وبكى بأنه لا يستطيع وبعد مشادة وأخذ ورد قالت خلاله لزوجها إنه إذا عجز فإنها ستطلب المبلغ من والدها فشعر بالإهانة وغلى الدم في عروقه وأوقع عليها الطلاق.

عندما علم والدها بعد أن جاءته مطلقة غضب منها غضباً شديداً وطلب الأجاويد لكي تُرد إلى زوجها ورجعت مكسورة بعد أن تلقت درساً قاسياً كاد أن يعصف بأسرتها الصغيرة.

لذلك كان قراراً صائباً ذلك الذي اتخذه وزير التربية بولاية الخرطوم د.فرح مصطفى بمنع الصالات المغلقة لاحتفالات (تخريج) رياض الأطفال، وليته ووزيرة التعليم العالي د.سمية ابوكشوة يمضيان إلى منع (تقليعات) أخرى منكرة مثل (حنة الخريج) وغيرها من التقاليد البغيضة التي يفرضها مجتمع الأثرياء الذين يسعون دائماً إلى الإتيان بما لم تستطعه الأوائل، ومعلوم أن مجتمع المترفين هو الذي يفرض الجديد من التقاليد والصرف الاستهلاكي على مجتمع الفقراء.

قبل نحو عشرين سنة لم تكن هناك صالة أفراح إلا واحدة هي (أفراح الشمالية) أما اليوم فقد انتقلت صالات الأفراح إلى القرى والأحياء النائية بالرغم من أن أكبر بند صرف في العرس هو الصالة بعشائها الفاخر، فتخيلوا بالله عليكم مقدار تأثير ذلك سلباً على الزواج.

نحن شعب مختلف عن شعوب العالم أجمع فبقدرما نحن متميزون بقيم إيجابية لا تجارينا فيها الشعوب الأخرى كالكرم والشهامة وغيرهما فإننا نتميز ببعض التقاليد الاستهلاكية مثل (البوبار) والإسراف والتبذير مما نتغنى به : (سيد الحيشان التلاتة) (عريسنا حالف يضبح تور)!

إننا نحتاج إلى مبادرات مجتمعية نحد بها من العادات الدخيلة كما نحتاج إلى السلطان لكي يمنع بعض الموضات التبذيرية البغيضة.

الطيب مصطفى
صحيفة الجريدة

Exit mobile version