يا عريبي !!

*القطار قادم من الشمال الأقصى..

*إحدى عرباته تعج بسودانيين… عائدين من مصر..

*بينهم يجلس ابن الشمال الأقصى هذا صامتاً؛ لا كلام… لا سلام… لا طعام..

*لا يشاركهم في أي شيء… فقط ينظر إليهم من طرف خفي..

*مسافر خلفه يصيح في أحدهم محتجاً على المزاحمة… وتفلت منه مفردة نوبية..

*فيصيح في الصائح (مش تقول من الصبح في بني آدم هنا؟!)..

*صديق مصرفي – من أيام الصبا – ينتسب إلى الشمال الأوسط..

*اشتهر بيننا بأدبه… وظرفه… وحيائه؛ وكان أحد رفقائنا في رحلة (القطر قام)..

*وهي وجبة (عزابة) تستغرق رحلة إعدادها زمناً قياسياً..

*وحين كبرنا قام القطر به في رحلة إلى حاضرة منطقته… مديراً لفرع المصرف..

*ثم سرعان ما أُعيد… لإحجام الناس عن التعامل معه..

*قالوا: كيف نتعامل مع بنك يديره من كان أبوه (فريخاً لناس فلان)؟!..

*أستاذ الجامعة تعجبه طالبة معه… من الشمال الأدنى..

*يفاتحها في الزواج فتصمت… فيقوم به القطار إلى أهلها… فالسكوت علامة الرضا..

*فيجيئه الرد أمامه (البنت لسه في الجامعة)..

*ويجيئه ردٌ آخر من وراء ظهره (آخر الزمن نناسب العرب… والعرُّوب؟!)..

*وهكذا نمارس العنصرية على امتداد شريطنا النيلي… الشمالي..

*فهذا عبد… وذاك عريبي… وتلك خادم… وأولئك حلب..

*لدينا رأي حتى فيمن نسميهم عرباً… وحلباً… من أبناء وطننا؛ فلا نصاهرهم..

*لا يهم عندنا أن تكون البشرة سمراء… أم في لون اللبن..

*فما دام ليس (ود بلد) فهو مواطن من الدرجة الثانية… أو الثالثة… أو الرابعة..

*وصفة (ود بلد) هذه ليس لديها تعريف محدد..

*ولكن قاسماً مشتركاً واحداً يربط بين الجميع… بدرجات متفاوتة..

*جميع مكونات الشمال النيلي… عدا أهل الشمال الأقصى..

*وهو قاسم العروبة ؛ شيء عجيب… مع أن من شتائمنا العنصرية (يا عربي)..

*فكيف نحتقر عرب الداخل… ونبجل عرب الخارج؟!..

*بل كيف نفاخر بالانتساب للعروبة… ونحن هنا نستصغر شأن (العريبي)؟!..

*وكيف نسيئ إلى عربنا… ونغضب حين يسيء إلينا العرب؟!..

*أسئلة أتحدى أي عالم نفس… أو أجناس… أو اجتماع…. أن يجد اجابات عنها..

*فنحن عنصريون لأقصى حد… تجاه بعض مكونات مجتمعنا..

*وعنصريون تجاه بعضنا البعض… كأولاد بلد… بقدر انتساب كلٍّ منا إلى (العباس)..

*وأبناء الشمال الأقصى- الذين استثنيتهم- عنصريون تجاه الكل..

*والعرب كلهم لديهم واحد؛ عرب سودان… أو خليج… أو شام… أو يمن..

*فهم يرون أنفسهم أبناء فراعين… و(مش سائلين في حد)..

*ومن ثم فهم محصنون من الذي يُغضب (عربنا) من عنصرية (العرب)..

*وهذا جانب حسن… ولكنها – في النهاية – عنصرية أيضاً..

*أليس هذا واقعنا العنصري (المعقد)… بلا رتوش؟!..

*نتباهى بعروبة ليس في راهنها ما يُشرِّف؛ ذلٌّ… وخنوع… وانكسار… وهيافة..

*ثم نصيح في الداخل (روح يا عريبي !!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة

Exit mobile version