ثوب العيد في السودان.. ما بين الموضة والتراث و”العاطفة”.. صور

“الثوب السوداني” هو الزي القومي للسودانيين وأشهر ما يميّز المرأة السودانية ويسمى شعبيا بـ”التُوب” وترتديه في الغالب المرأة المتزوجة.

ورغم اكتناز خزانة كل سيدة سودانية بأنواع مختلفة من الثياب، لكن يبقى “ثوب العيد” هو الهاجس الكبير لدى السودانيات، ويتطلب شراؤه مجهوداً خاصاً وبحثاً مضنياً في المحلات التي تفيض بالموديلات الجديدة التي تستورد خصيصا لمناسبة العيد وما يصاحبها من أفراح وزيارات.

الثوب عبر العصور

من “ملحفة” صارمة ووقورة الألوان وثقيلة الخامة من فتلة “التوتل” القطنية التي اشتهر #السودان بزراعتها منذ عام 1925، مر “التوب” السوداني بمراحل جمالية اقتضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها ذلك البلد الثري بالمورثات والقيم الاجتماعية المختلفة.

في بداية الأربعينات كان الثوب يصمم لأغراض الحشمة والسترة، لكن منذ بداية الستينيات بدأت المرأة السودانية تبحث عن لفت الأنظار في مجتمع محافظ عبر ارتداء ثوب بنقوش ملونة بطريقة توحي بالأنوثة، وأصبح الثوب رمزا للجمال والمكانة الاجتماعية التي تحظى بها المرأة.

خامات الثوب

تتربع سويسرا على صدارة الدول المنتجة لخامة “التوتل” من القطن الصافي، ويتميز الثوب السويسري بنعومة “الفتلة” ورقة وخفة النسيج. كما دخلت إيطاليا على الخط وأطلقت ثوبا من خامة “الراتي” بنقوش داكنة مع لمعان خفيف يضفي على الطلة سحراً غامضاً. ومؤخراً دخلت الهند بتقليعات مزركشة تتناسب أسعارها مع محدودي الدخل، لكنها لا تخلو من بهجة صارخة اشتهرت بها الأزياء الهندية.

مراحل التطور

في بداية الخمسينيات ومع ازدهار صناعة النسيج في السودان والتي طورها الكوريون، ظهر موديل من الثياب يسمي “ثوب الزراق” أو “القنجة” أو ما يُعرف بـ”النيلة” وهو ذات لون نيلي. يصنع هذا الثوب من خيوط مغزولة من القطن وهو ثوب صارم وصُمم لأغراض الحشمة أو ما يسمى شعبياً بـ”السترة”. ثم ظهر ما عرف بـ”الطرقة”. وفي تطور نوعي ظهر ثوب “الكرب” السادة الذي جلبه تجار من صعيد مصر، ويعرفون في السودان بـ”النقادة” نسبةً للبلد الذي انحدروا منه. لكن مع مرور الوقت وتدهور صناعة النسيج في السودان دخلت دول أوروبية في السوق المزدهر واحتلت سويسرا مكانا مرموقاً، حيث وفّرت ثياب “التوتل” الفاخرة لنساء الطبقات المخملية واكتسحت السوق وطغت على التصميمات القديمة.

ثوب العيد

قبل يوم “الوقفة”، تسري في السودان حمى البحث عن ثوب العيد الذي يجب أن تتألق به المرأة السودانية في صباح يوم العيد. ولكثرة العروض الواردة من الشرق والغرب، يبقى الخيار صعباً إذ أن الاختيار لا بد أن يكون صائباً ومواكباً للصرعات الجديدة. وهنا تدخل النساء في حالة طوارئ “مرحة” ولا بد من استشارة صديقة من ذوات الذوق الرفيعة والمعرفة الدقيقة بالخامات والتصميمات الفريدة غير الدارجة.

وفي هذا السياق، تقول مصممة الثياب السودانية الشهيرة رانيا الفاضل لـ”العربية.نت” إن “ثوب العيد يجب أن يمتاز دائماً بالألوان الزاهية والمبهجة مثل الوردي والبنفسجي والبرتقالي خصوصا عند النساء الأصغر سناً، أما عند السيدات الأكبر سناً يمتاز تصميمه بالوقار والبساطة مع ألوان محايدة أو هادئة مثل الرمادي أو البني. لكن الخامة المعتمدة لكل الفئات العمرية هي خامة التوتل السويسرية، حسب إمكانيات الأسرة المادية”.

رانيا الفاضل
الهوس بـ”توب” العيد

لثوب العيد رمزيات عاطفية واجتماعية، فهو من جهة يظهر المكانة المرموقة للسيدة لكنه ومن زاوية خاصة يعكس أيضاً الحالة العاطفية التي تعيشها كل زوجة، وقيمته الباهظة الثمن هي تعبير عن الحب والعاطفة.. وهذه أسرار تلفها المرأة السودانية في طيات ثوبها عندما تخطر بهدوء في بهو المناسبات الخاصة أو عن زيارة الأهل والأصدقاء.

لكن ثمة أغراض تجارية تحيط بذلك المشهد الملون، فلو أحد المصممين أو التجار حاز على إعجاب جميلات المدينة ونساء الطبقات الثرية فهو أكيد أنه بات في الطريق القصير للثراء وجني الملايين في غضون أيام.

وفي هذا السياق، تقول المصممة رانيا الفاضل إن المنتجين والمصممين ينتهزون مناسبة العيد لإطلاق صيحات جديدة من التصاميم والخامات، لذلك ينشط التجار في التجوال بين سويسرا وإيطاليا والهند لعقد الصفقات مع المصانع لإطلاق أنواع جديدة من التصاميم التي تواكب الذوق السوداني، وما يطرأ من رغبات نسائية في الظهور بصيحة مبتكرة للتميز والتألق في المناسبات العامة والخاصة التي يعتبر فيها الثوب رمزا للجمال والأناقة.

“ورطات” لطيفة

التصميمات التي تخلب لب السيدات بمختلف أعمارهن لا تكون عواقبها سليمة في كل الأحوال، فقد تقع سيدة أربعينية في غرام ثوب صمم لذوات العشرين ليكون الثوب عليها وبالا وتوصف في مجتمع النساء بـ”المتشببة” أي التي تدعي الشباب لذلك يكون الخيار صعبا للسيدات كل ما تقدم بهن العمر. أما الشابات فلديهن الخيار المطلق في الظهور بثياب تحاكي الطواويس أو حديقة من الورود أو تداخل الشفق في غروب الشمس في الصيف، لكن ذلك قد يكلف الزوج راتبه وما يدخره لمجابهة الطلبات الأخرى.

 

المصدر: الخرطوم – عبدالعزيز إبراهيم
العربية

Exit mobile version