هل توقف الرقابة منح الفرص الاستثنائية التجنيب.. (العلة) التي أعيت “المداوينا”

صعوبة حصر التجنيب، وضعف الرقابة، أدى إلى عدم دخول كثير من أموال المؤسسات الحكومية إلى خزينة الدولة، ويعد التجنيب واحداً من الأمراض الخطيرة التي أصابت اقتصاد البلادن

وأدت إلى تدهوره نتيجة لغفلة الجهات المختصة عن الممارسات الخاطئة التي تتبعها بعض الإدارات ما دعا إلى التشدد في تفعيل الرقابة لمجابهة تلك المخالفات الإدارية لبعض الوزارات في منح فرص استثنائية للمؤسسات للقيام بالتجنيب وضرورة تقييم المخاطر الاقتصادية التي يتوقع حدوثها.

وكشف المراجع القومي، الطاهر عبد القيوم عن منح وزارة المالية استثناءات لبعض الجهات الحكومية تتيح لها تجنيب الإيرادات والتصرف فيها خارج الموازنة، وقال في تقريره الذي قدمه للبرلمان: إن تحسناً طرأ حول التجنيب بفعل لجنة منع التحصيل غير القانوني، إلا أن هناك جهات لا زالت تتحصل رسوماً غير قانونية”. وأضاف “كما أن الاستثناءات التي تمنحها وزارة المالية أيضاً لبعض الجهات ساهمت في استمرار التجنيب”، وقال أن التجنيب انخفض من 473 مليون جنيه في العام 2011م الى 50,4 مليون جنيه في العام 2017م. وأشار إلى وجود تحديات التحصيل الإلكتروني منها تحصيل الرسوم خارج الموازنة بمسميات عدة مخالفة للقوانين وأنها جميعاً تخالف المادة 13/4 من لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية.

المُجنِّبون.. (أقوياء) فوق القانون

هناك “أقوياء” يحبون تكسير القانون وتفقد الدولة بسببهم منذ سنوات الكثير من الأموال بسبب تجنيب عدد كبير من الوحدات الحكومية للأموال التي تتحصلها من المواطنين مقابل خدمات وسلع تقدمها لهم. ففى العام 2011م بلغ حجم المبالغ المجنبة 472 مليون جنيه في خرق صريح للعديد من نصوص قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2007 ولائحة الإجراءات المالية والمحاسبية لسنة 2011. وعلى الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها وزارة المالية في العام 2014م إلا أن الأموال المجنبة بلغت 30% من حجم الموازنة العامة للدولة. (ليس من السهل تجنيب الأموال، ولكن هنالك من يفعلون ذلك بدون استثناء ولديهم حسابات في بنوك).

بهذه المقولة بدأت موظفة بإحدى المؤسسات الحكومية حديثها لـ(الصيحة) لتضيف مؤكدة أن الاستثناء يمكن أن يكون للجمارك فقط دون غيرها من المؤسسات. إلا أن إدارة تنمية الجهاز المصرفي ببنك السودان المركزي، قالت إنها قد أصدرت منشوراً وزعته على كل المصارف التي تعمل في البلاد بعدم فتح أي حساب لوحدة حكومية لديها. وهي تراقب ذلك وتمد وزارة المالية بنتائج مراقبتها، وأن وزارة المالية هي وحدها التي تملك قوائم بأسماء الوحدات التي تجنب وكذلك بالحسابات المصرفية التي تملكها في المصارف التجارية في حال وجودها.

الخزانة الواحدة.. في انتظار الشفافية

يعرف نظام الخزانة الواحدة والتحصيل الإلكتروني الذي بدأ في أبريل 2016 عبر وزارة المالية للعمل بنظام الخزانة الواحدة بأنه نظام تقني الكتروني، يتمحور في تجميع كل الإيرادات والموارد المالية للوحدات الحكومية في حساب واحد ببنك السودان المركزي، وقامت بتصفير كل حسابات الحكومة. ما يعني أن الوحدات الحكومية ستحول حساباتها الحالية إلى حسابات إيداع فقط، ولا يسمح لها بالسحب إلا ببرمجة مشتركة بينها ووزارة المالية.

ويقول مصدر مطلع بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي “فضل حجب اسمه” إن هذا النظام يمنع التجنيب تماماً ويضمن إدارة التدفقات المالية للدولة كما يضمن سلامة وسرعة وسهولة التحويلات المالية من جميع أنحاء البلاد، ويوفر إدارة مرنة للإيرادات لكنه يتطلب أن تعمل وحدات الدولة بشفافية تامة وتقوم بتحويل كل إيراداتها حال تحصيلها فوراً.

التجنيب… أسباب ومسببات

مسببات وأسباب التجنيب يراها الخبير الاقتصادي الدكتور عبد العظيم المهل في قلة التدفقات والإيرادات المالية للدولة أحد أسباب الاتجاه للتجنيب، ما جعل وزارة المالية أشبه بالمؤسسة الإعاشية التي تنفق كل ما لديها على أجور ومرتبات العاملين، ولا تستطيع الوفاء بحاجة الوحدات والمؤسسات الحكومية ومشاريعها المختلفة. ويضيف الرمادي في حديثه لـ(الصيحة) أن بعض الوحدات الحكومية تجنب لعدم قدرة المالية على الإنفاق عليها في الوقت المناسب وتكون في ذات الوقت مؤسسات ذات إيرادات كبيرة ولديها التزامات عدة إذا لم تفِ بها لا تستطيع إنجاز أي من خططها. وأحياناً يكون التجنيب بسبب بطء وبيروقراطية الإجراءات الديوانية.

ويضيف: في حالة السودان وظروفه الشائكة قد يكون التجنيب لأسباب سياسية أو أمنية تستدعي سرعة التصرف ووفرة المال في الحال. وقد يكون السبب فيه عدم توزيع الإيرادات المالية بشفافية وعدالة. ويؤكد أن التجنيب سوف يستمر في المستقبل حتى لو تحسنت الظروف المالية والاقتصاية للحكومة والدولة، لأن هناك بعضاً من الناس “يحبون كسر القانون”.

المؤسسات المجنبة: البحث عن (أسماء)

حول هوية المؤسسات المجنبة يقول الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي في حديثه لـ(الصيحة) إنها في الغالب وحدات سيادية، وذات سلطة ونفوذ، وجميهعا وحدات إيرادية ذات صفات متشابهة وفاعلة أو على رأسها شخص له نفوذ وقوة وعندها مقدرة على تحدي القانون والسلطة، ولهذا لن يجنب إلا القوي، ومن المنطلق وجدت مؤسسات تلف حول الميزانية وتحقق إيرادات وضعت جانباً حتى تتمكن من زيادة صرف غير مسموح به قانونًا، وقال إن المبالغ المجنبة بالمؤسسات تشوه الميزانية وتفقدها دورها الأساسي في ضبط عملية الإيرادات والصرف، وطالب بمعاقبة الخارجين عن القانون لما يترتب على هذه العملية من آثار سالبة تضر بالاقتصاد، وقال إذا خرجت تلك المبالغ من إدارة وزارة المالية، فإن ذلك يخلق خللاً كبيراً في الصرف.

وفيما يتعلق بالمؤسسات التي استثنيت في عملية التجنيب قال إن وزارة المالية قد ترى ضرورة استثناء جهة ما عن التجنيب، ولكن مهما تكن الأسباب والمبررات لا يصح أن تستثني جهة، لأن ذلك يفتح الباب ويشجع مؤسسات أخرى للتصرف على هذا النحو المضر بالبلاد.

تجنيب المال .. آثار سالبة على معاش الناس

ثمة سؤال يطل برأسهن وهو هل يحق لوزارة المالية منح استثناءات لأية جهة لتجنيب المال؟ على هذا السؤال يجيب الخبير الاقتصادي بروفيسور حسن محمد ماشا وزير المالية السابق لولاية جنوب كردفان، ومدير مركز دراسات الاقتصاد الإسلامي، حيث يضيف في حديثه لـ(الصيحة) أنه لا يحق للمالية منح استثناءات لأية جهة لتجنيب المال، لأن ذلك ينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد وعلى معاش الناس وعلى الخدمة المدنية، الأمر الذي يؤكد أن المالية أصبحت ليست صاحبة القرار القوي في هذه المسألة، بل وعجزت عن معالجتها، وأضاف هناك حالة واحدة يمكن أن يتم فيها تجنيب أموال الشركات أو الجهات الحكوميةن إذا كان هناك عمل ترى المالية العامة فيه فائدة اقتصادية للبلد، وبخلاف ذلك فإن القضية تعتبر فساداً ممنوحاً بواسطة السلطات، ولا بد من المحاسبة والمعاقبة، لافتاً إلى وجود الكثير من التجنيب الذي لا تدري عنه المالية شيئاً، بالتالي خرج عن سيطرتها تماماً، وطالب بضرورة أن تفرض المالية قبضتها على ولاية المال العام، وأن لا تمنح الفرصة لجهات أخرى تجنب المال، مؤكدًا أن المشكلة كبيرة جداً، وأبعادها تمس الأمن الاقتصادي والمعيشي بالبلاد، ولحقت أضرارها بالمواطن البسيط والفقير، الأمر الذي يتطلب من وزارة المالية أن “تفتح أعينها”، كما ذكر، وأن تدرك كيفية جمع الإيرادات وأوجه إنفاقها من خلال المتابعة اللصيقة باعتبارها الولي على المال العام، وأشار الى إحجام الكثير من المنتجين دخول الأسواق نتيجة التجنيب والرسوم التي يتم تحصيلها من قبل جهات غير معروفة ومتعددة، وذلك من خلال استثناءات المالية والتي لا يرى وجود إيجابيات لها، وطالب بضرورة حسمها لانعكاساتها السالب على التضخم وعلى الاقتصاد القومي، وشدد على المالية إذا كانت تريد أن تقدم دعم للجهات والشركات التي تقوم بالتجنيب أن يتم ذلك من خلال الوزارة وليس من أموال الناس.

الآثار الجانبية… فتح باب الفساد واسعاً

آثار عدة تنتج عن التجنيب أبرزها الفساد، وفي السياق يقول دكتور عثمان التجانين الخبير المالي والقانوني في حديثه لـ(الصيحة) إنه حسب القوانين واللوائح المالية تحصر ولاية المال على وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، بمعنى أن جمع الإيرادات يتم عبرها في كل الوحدات الإدارية من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى ويجب تحصيلها بموجب إيصال تحصيل 15 لدى وزارة المالية، حيث يتم توريد هذه الإيرادات إلى الحسابات المركزية للمالية، وأضاف أنه بموجب هذه القوانين يتم الصرف من حسابات الوحدة المعنية، وفقاً لميزانية مجازة حسب كل بند بحيث تتم تغذية حساب الوحدات بأوامر مستديمة من قبل وزارة المالية، وشدد على ضرورة اتباع هذه الإجراءات صوناً للمال العام، مشيراً إلى أن السماح لبعض المؤسسات بالتحصيل غير المقنن وبإيصالات خاصة بهذه المؤسسات، يفضي إلى جمع المال بدون ضوابط، مما يفتح باباً واسعاً للفساد والإفساد واستغلال المؤسسات وتخريب المال العام، وطالب وزارة المالية إن تحكم قبضتها على المال العام وأن تقوم بمراجعته والنظر إلى تقريرالمراجع العام في هذا الشأن.

الخرطوم: عاصم إسماعيل – إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة.

Exit mobile version