“مسحي دموعك يما ما تبكيش” (امسحي دموعك أمي لا تبكي”، “ماكاش الرّايس كاين تصويرة” (لا يوجد رئيس بل مجرد صورة) وغيرها من الهتافات تعلو بين المحتجّين المناهضين لاستمرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الحكم بعد انتهاء عهدته.
يتساءل المراقب للمظاهرات المليونية التي طبعتها الشعارات والهتافات الجاهزة منذ أول مظاهرة في 22 فبراير/شباط الماضي، عن كيفية إعداد المحتجين لأنفسهم رغم أنها المبادرة الاحتجاجية الأكبر بالجزائر، وأين استطاع كل هؤلاء أن يحفظوا هذه الشعارات وأن يرتّبوها؟
لا يكلّف الجواب عن هذه الأسئلة أكثر من نقرة زر عبر مواقع “ألتراس” الفرق الكروية بالجزائر، لنعلم أن “ثورة اليوم” منبتها المدرجات التي صدح فيها الشباب منذ ترشح بوتفليقة للعهدة الرابعة في 2014، رافضين استمراره في حكم البلاد.
لتنظيم المحكم
بان جليا إحكام التنظيم خلال المظاهرات التي تدفق الجزائريون للمشاركة فيها عبر مناطق البلاد كافة، ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا لمعرفة أن “جيوش” المناصرين بالملاعب كانوا مصدر أغلب الشعارات التي رفعت في المسيرات.
يلفت انتباه المار في الجمعة المليونية الأخيرة بالعاصمة الجزائر شباب يتبعون قائدا، الآلاف يسيّرهم مايسترو واحد، يردّدون خلفه حين يهتف، ويصمتون حين يطلب منهم ذلك، صنعوا الفرجة في التعبير عن غضبهم، كأنهم يحتفلون بتسجيل أهداف في مرمى النظام.
وبعد مقاطعة الجماهير الرياضية لمباراة الديربي بين فريقي العاصمة المولودية والاتحاد، لم يعد هناك شك أن عشاق الكرة المستديرة خرجوا بمطالبهم من المدرجات نحو المليونيات في الميادين الكبرى.
الغضب في احتفال
لطالما كان “ألتراس” الفرق الكبرى في الجزائر قادة في تنظيم الجماهير في الملاعب، وهو ما تجلى في نظام الشارع، الذي خرج في مليونيات ضمن نظام وسلمية أثارا استغراب الكثيرين عبر العالم.
ويرى الناشط السياسي أنور السليماني أن “الملاعب طالما عبّرت عن عمق المشاكل التي يواجهها الشعب الجزائري عموما والشباب خصوصا، وأسهمت في رفع مطالب الشعب من خلال الملعب وهذا قمة الوعي السياسي”.
وأضاف السليماني -في حديثه مع الجزيرة نت- “هناك كبت سياسي أسهم في وجوده نظام شمولي، والمدرجات تحديدا تعتبر آلية من الآليات التي أتيحت للشباب كي يرفع ما يعانيه المواطن يوميا من صعوبات وتجاوزات”.
في حين يشير عبد الجبّار غزالي (23 عاما) عضو “ألتراس” مولودية العاصمة -أحد أكبر وأعرق الأندية الكروية في الجزائر- أنه “لم يعد حضور المباريات أولوية كما كان سابقا”، مضيفا للجزبرة نت، “أن الشّباب كان يفرغ مكبوتاته ومشاكله في المدرجات، المكان الوحيد المتاح للصراخ بحرية في الجزائر”.
“ألتراس الجزائر”
اجتمع عشاق مختلف الأندية الكروية في الشارع -لحمة واحدة- بعدما كانت تقسّمهم المدرجات، ووقفوا تحت مظلة المطالب الشعبية خلف اسم “ألتراس الجزائر” في صفّ واحد يهتفون ويوزعون الأعلام مجانا ويتبادلون اللافتات.
ويطبع الشباب من خريجي “المؤسسة الكروية” إمضاءهم على الشارع، ويوزعون قارورات المياه على المارة، يسيّرون التدافع من خلال تهدئة المحتجين غير المتعودين على الاكتظاظ، ويتنفسون الصعداء لالتحاق بقية الشعب بهتافاتهم التي أعلوها لسنوات وحدهم في الملاعب.
ترك المناصرون أعلام أنديتهم في منازلهم وخرجوا للشارع حاملين علم الجزائر، ومارسوا ما علّمتهم الملاعب في تسيير المليونيات، حيث التقوا في سابقة أولى مع العائلات التي أمّنت أولادها ونساءها بين المناصرين بعدما كانت تتجنّب المرور بجانب الملاعب وهي تلفظ الغاضبين بعد انتهاء المباريات.
الجزيرة
