مأمون حُميدة.. ما بعد سجن كوبر

شاهد الكثيرون الصور العديدة لبروفسور مأمون محمد علي حُميدة في منزله يستقبل ضيوفه المهنئين على سلامة عودته. وكان تعليقهم السائد أنه خرج من السجن مكتمل الصحة، وفي معنوياتٍ عالياتٍ، يغبطها عليه من كانوا خارج السجن.
والذين التقطوا بعضاً من حديثه مع زواره الكُثر، رددوا أنه استفاد من فترة وجوده داخل السجن في الرياضة، رغم ضيق المساحة، وكذلكم القراءة والتلاوة، وتوقع البعض أنه قد فرغ من كتابة كتابٍ يحكي عن تلكم الفترة أو عن حياته.
لقد صاحب اعتقاله موجة إعلامية واسعة، وحملة صحافية كثيفة، ووقفاتٍ احتجاجيةٍ ضخمةٍ، حيث شارك فيها إلى جانب أسرته وأسرة جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، وأصدقائه وتلاميذه وعارفي علمه وفضله، العديد من مواطني الأطراف من شرق النيل والجزيرة سلانج والسروراب.. إلخ، اعترافاً بما قدمه البروفسور مأمون حُميدة إلى تلكم المناطق من خدماتٍ صحيةٍ متقدمةٍ، كوحدة غسيل الكُلى في مستشفى الجزيرة سلانج وأم ضواً بان. وقد كان حضوراً للاحتفاء بعودة البروفسور مأمون حُميدة في منزله الشيخ الطيب الجد ود بدر شيخ أم ضواً بان، والشيخ علي نايل الزعيم الاتحادي المعارض وعدد من كبار الاستشاريين الأطباء. أحد الظرفاء قال معلقاً: “إذا الناس ديل كلهم جو يهنوا مأمون – مَن سجن مأمون؟!”.
في رأيي الخاص، أن البروفسور مأمون حُميدة قد أفاد أيم فائدة من فترة الاعتقال هذه، رغم طول مدة الحبس، إذ ظهرت – وهو غائب – إنجازاته في المجال الصحي والتي بدأ حتى أطباء (قحت) الاعتراف بها، والسير خلف ما أنجز. وفي بعض الأحيان الإدعاء بملكيتها، وحتى افتتاح بعض إنجازاته الصحية، في غيابه القسري حبيساً، تبدو وكأنها مولد غاب عنه صاحبه! كما ثبت أن جامعته قد سارت بصورة مؤسسية كاملة، بجُهد المخلصين من منسوبيها، رغم توقعات البعض بانهيارها في غيابه. والحملة الإعلامية والمناشدات الخارجية للإفراج عنه، التي قادها البروفسورات في أميركا وأوروبا والهيئات والمنظمات الإقليمية والعالمية، أوضحت مكانة الرجل خارج حدود الوطن.
وفي غيابه في كوبر السجن، خفت حملة الحقد والكراهية التي قادها بعض كبار الأطباء من الذين تأثروا بالنهضة الطبية التي حققها، ومن القرارت الإدارية التي تأثرت بها عياداتهم ومراكزهم ومستشفياتهم الخاصة في مجال الترخيص، والاستفادة من المؤسسات الحكومية في تسيير تلكم العيادات الخاصة.
خاطب البروفسور مأمون حُميدة جموع العاملين في جامعته المعروفة باسمه في حي الرياض بالخرطوم في أول لقاءٍ بهم بعد الإفراج عنه، بأنه قد استفاد من فترة الحبس، بالقرب من الله والتلاوة والرياضة والقراءة، ولكنه لم يتخلَ عن مظهر العزة الذي عُرف به (بعض الناس يعرفونه بأنه (arrogant ) ( متعالٍ) .
وفي حديثه للعاملين، ردد مقولة القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (يا جبل ما يهزك ريح)! فهل يا تُرى يعني الجامعة؟ أم شخصه؟ أم كليهما؟.
وقد اطّلعت على رد البروفسور مأمون حُميدة لمندوب مؤسسة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في السودان سابقاً، بأنه خرج من السجن لا يحمل ضغينةً على أحدٍ، وهو فخورٌ بأنه خدم المواطن بإنشاء المؤسسات الصحية المنتشرة في ولاية الخرطوم، وأنه وضع نظاماً (سيستم) للنهوض بالصحة. وفي رد مستر Elvin (ألفين) المندوب السابق لمؤسسة كارتر، ذكر أنه عندما قرأ تلكم العبارات البليغة، دمعت عيناه هو وزوجته، متوقعاً أن يخرج مأمون بطاقة إيجابية ليقدم خدماته في المؤسسات التعليمية والصحية.
الذين جلسوا مع البروفسور مأمون حُميدة أكدوا أنه تحاشى أن يتحدث عن القضايا السياسية، على الرغم من إلحاح الصحافيين الذين جاءوا إلى منزله، مهنئين بسلامة العودة، ليدلي بانطباعاته عن فترة الحبس، ورأيه في الوضع السياسي الراهن، لكنه امتنع معتذراً، بأنه خارج الشبكة لمدة عشرة أشهر، ويحتاج إلى بعض الوقت للتقييم.
ألح عليه البعض لكتابة ذكرياته ليس عن فترة سجن كوبر، ولكن مسيرته الكاملة خاصةً، وأنه تقلد منصب مدير جامعة الخرطوم ومدير مستشفى سوبا الجامعي ومؤسس للخدمات الطبية المتقدمه في السودان، عندما كان وزيراً للصحة في ولاية الخرطوم، ومؤسس لجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، ووعدهم بدراسة الأمر إن شاء الله.
أخلص إلى أنه من الضروري، في خاتمة هذه العُجالة، أن نزجي كثير التهاني وأطيب التبريكات، إلى البروفسور مأمون حُميدة على خروجه من الحبس سالماً معافاً، لينداح عطاؤه مدراراً على مختلف الأصعدة، أكاديمياً وطبابةً وتدريساً وبحثاً.
ولنستذكر معه في هذا الصدد، قول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحُسين المعروف بالمتنبيء:
كُلَّ يَومٍ لَكَ اِحتِمالٌ جَديدُ
وَمَسيرٌ لِلمَجدِ فيهِ مُقامُ
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً
تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ

إمام محمد إمام
i.imam@outlook.com

Exit mobile version