حكومة الرمال المتحركة

لا أظن أن الدولة السودانية وصلت حداً من المهانة والهوان، كما يحدث هذه الأيام، وقد كنا نظن أنه وبعد الثورة سنودع وإلى الأبد شاكلة المسؤولين غير المسؤولين والأفعال السبهللية و(دفن الليل أب كراعاً برة)، وأمبارح بس كشف اثنان من كبار مسؤولي هذه الحكومة عن سوءتها وعورتها فبدت قبيحة لا تسر الناظرين، وأقول ليكم كيف، والسيد وزير الصحة دكتور “أكرم” خرج علينا بمؤتمر صحفي عنوانه وملخصه بكل وضوح (أكلو ناركم)، والرجل تنصل عن مسؤولية الحكومة في ما يتعلق بالحجر الصحي. وقال كلاماً أقل ما يقال عنه أنه مضحك، وفيه استخفاف بعقولنا والرجل الذي أعلن للعالم عن وفاة سوداني بمرض (الكورونا) وده معناه ببساطة أن الوباء موجود ومنتشر بشكل كبير، وربما هناك العشرات ممن خالطهم هذا الشخص حاملين للفيروس هم بدوهم سيخالطون العشرات من المتجولين في البيوت والأحياء، وهذا الحديث بغض النظر إن كان صادقاً ودقيقاً أم لا، لكن يبقى هذا حديثه، وهو مسؤول عنه وعن تبعاته ووضع بهذه الخطورة لا يمكن أن يجعل وزرا ة الصحة تتعامل معه بهذه اللامبالاة، والوزير في مؤتمره الصحفي تنصل عن الحجر الصحي، وقال أن كل ما ستقوم به الحكومة هو فحص الحرارة الذي يتم في المعابر، ومن ثم تسجيل بيانات القادمين من الخارج والاحتفاظ بنسخة من جوازات سفرهم، ومن ثم تركهم ينداحون وسط المواطنين، وطالبهم بالعزل المنزلي يعني ببساطه كدة (ليكم الله وعيشة السوق) بالله ده كلام ده؟ والواقع فند كلام الوزير وقطعوا ليه في رأسه، والمئات من القادمين عبر المعبر البري من جمهورية مصر بؤرة المرض لم يتعرضوا لكشف طبي، ومش كده وبس، بعضهم ترك جوازاته وفر بجلده تقول لي (حنشيل نسخة من الجواز) والسيد “أكرم” بكده يكون قد كافح (الكورونا) الصغيرونة دي (الموقفة العالم على فد كراع) بالله عليكم أي مهزلة هذه التي نعيش تفاصيلها أي كوميديا سوداء يعرضها علينا هذا الوزير الذي فشل في الامتحان التاني له، وقد سقط في امتحان الحمى النزفيه بكسلا، ولم يستطع أن يقدم شيئاً للمدينة المنكوبة، وها هو يقدم أسوأ إجابات في امتحان (الكورونا) ورغم ذلك يظل وزيراً رغم تهوره وتسرعه وتخاذله نحو واجبه المهني والأخلاقي. وكدي خلوني أقول للسيد الوزير المعتمد في محاربة الوباء على رقم الطوارئ الذي أعلنه أنني ظللت أمس أجرب الرقم طوال الأربع والعشرين ساعة، ولم يستجب أحد، وغيري فعل ذلك وكانت النتيجة (ياخي بلا لمة)
أما المشهد التاني الأكثر هواناً، فقد كانت بطلته السيده عضو مجلس السيادة (حاجة عشة) التي زارت مركز الحجر الصحي في كوبر، وبعدها خرجت بفيديو تناشد فيه منظمات المجتمع المدني، وملاحظتي الأولى أن الست عضو مجلس السيادة قدمت نموذجاً غير ملتزم صحياً، ولم تكن قدوة أبداً وهي في موقع المسؤولية، حيث ظهرت في الفيديو بلا كمامة، وهي خارجة لتوها من منطقة حجر صحي لكن الأدهى والأمر أن (حاجة عشة) بدت أنها ما عارفه حاجة ولا تعلم الاحتياجات للمركز ونسيت أنها في موقع القرار لتطالب في نداء مفتوح بضرورة غوث المحجوزين وإمدادهم بالأطباء والمياه والساندوتشات، وبصراحة لما سمعت هذه الطلب تخيلت أن الخرطوم كلها داخل الحجر الصحي لأتفاجأ أن العدد هو أقل من أربعمائة شخص، بالله ده كلام ده؟ حكومة حدادي مدادي ما قادره توفر وجبة لأربعمائة شخص طيب وقت غلبتكم ما كان تكلموا شركة (الفاخر)؟
يا ساده ما يحدث الآن كارثة لا تقل عن (الكورونا) نفسها والأزمة أكدت لنا أن البلد دي (قاعدة في السهلة) إذا كان تعاطي مسؤوليها على أعلى المستويات بهذا الضعف وهشاشة المواقف والأقوال، وأحاديث الوزير أكرم المتناقضة، وحديث (حاجة عشة) الهزيل فضح الرمال المتحركة التي يقفون عليها التي غرسوا أقدامنا فيها والله غالب
كلمة عزيزة
أمس الأول قدم الفريق “حميدتي” تنازلاً تاريخياً فيه كثير من الذكاء وكثير من الوطنية، وهو يتنازل عن جبل عامر والاتفاقيات المبرمة بينه وحكومة السودان، والخطوة برمتها تؤكد أن الرجل يسعى لتحسين صورته التي تعمد البعض تشويهها لمآرب يعرفونها، والخطوة تؤكد أن الرجل يقدم نفسه للشارع السوداني كقائد قومي لا ينحاز لقبيلة أو قوة بعينها في كل الأحوال، حتى لو خسر “حميدتي” بتنازله عن جبل عامر اقتصادياً، فقد كسب أضعافاً مضاعفة سياسياً وألغم خصومه حجراً.
كلمة أعز
الحكومة التي أغلقت المعابر في وجه القادمين من الخارج فات عليها أن هناك المئات الذين يعانون ظروفاً صعبة وبعضهم لا يملك قرشاً واحداً كحال عشرات المرضى ومرافقيهم الموجودين في الهند في ظروف أقل ما يقال عنها أنها مأساوية.. فيا سعادة الرئيس “برهان” أصدر قراراً بعودة السودانيين العالقين في الخارج وأصلها (ما حتجوط) أكتر مما هي (جايطة).

ام وضاح
المجهر

Exit mobile version