الذي يحدث الآن هو انقلاب على الثورة بالاتفاق بين طرفين صارا يعتبران الشارع خطرا عليهما

الذي يحدث الآن هو انقلاب على الثورة بالاتفاق بين طرفين صارا يعتبران الشارع خطرا عليهما، و هو بالفعل كذلك.
الشارع خطر على العسكر و يطالب بالقصاص للشهداء ضمن شروط أُخرى كلها ليست في صالح العسكر و في نفس الوقت يهدد بسحب البساط من تحت أحزاب الحرية و التغيير. هنا تلتقي مصلحة الطرفين في كبت إرادة الشارع.
ما يحدث من إغلاق للكباري و انتشار أمني هو محاولة لخنق الشارع و الثورة، و ذلك بذريعة “المخططات التخريبية”، بمباركة من أحزاب الحرية و التغيير بما في ذلك الحزب الشيوعي و تحالف قوى الاجماع الذين ادعوا في البداية دعمهم للمظاهرة و مشاركتهم، و لكنهم الآن يباركون هذه الإجراءات لأن الشارع أصبح مهددا لهم مثلما هو مهدد للعسكر. هكذا تلتقي مصلحة الطرفين في خنق الثورة.
بغض النظر عن 30 يونيو، هذا تحول خطير في مسار الثورة؛ القوى الحاكمة تحولت من ممثل للثورة الى هدف لثورة جديدة، و أصبحت تتعامل مع الشارع و الجماهير من منطلق الحاكم الذي يشعر بالتهديد. و هذا سيضعها بالضرورة و بشكل أوتوماتيكي ضد الثورة، ضد الحرية و ضد إرادة الجماهير، و ستجد تبريرات لكل أشكال القمع التي يمارسها العسكر لأنها في النهاية تصب في مصلحتها.
على الثوار أن يستوعبوا هذا التحول و يعيدوا ترتيب أجندتهم بناءً عليه.
منذ البداية كان واضحا أن المزيد من الضغط من قبل الشارع على قحت سيعني المزيد من التقارب بينها و بين العسكر، الآن أصبحوا في مركب واحدة تماما.
الاطار القديم للثورة قد تغير الآن، و هناك إطار جديد في طور التشكل. الإطار القديم كان يتكون من الشارع الذي يقوده تجمع المهنيين و قوى الحرية و التغيير في مواجهة النظام ثم في مواجهة المجلس العسكري، ثم توقيع الوثيقة و تشكيل حكومة تمثل الثورة تحت وصاية قحت و حراسة الشارع. هذا النموذج قد تفكك الآن، و حل محله نموذج جديد هو في طور التشكُّل. النموذج الجديد يتكون من تحالف المصالح بين العسكر و قحت في مواجهة الشارع الذي يتسم بدرجة من السيولة و العشوائية و لكنه غاضب على التحالف الحاكم بشقيه المدني و العسكري، بالاضافة إلى وجود عامل جديد مؤثر هو أعداء قحت السياسيين من اسلاميين و غيرهم.
النموذج الأول انتهى الى صيغة الشراكة التي تتحول بسرعة الى استبداد مضاد للثورة و للجماهير. النموذج الثاني ما يزال قيد التشكل و من الأفضل من الآن التفكير في إطار سياسي جديد لهذا النموذج.
إننا بحاجة إلى إطار سياسي يحل الأزمة الحالية. يزيل مخاوف التحالف الحاكم بشقيه العسكري و المدني، و يحقق تطلعات الشارع، و كذلك ينصف خصوم و أعداء الحرية و التغيير. هذا الاطار الجديد هو إطار التسوية و المصالحة على أرضية الثورة و داخل أفقها، بمعنى عقد مصالحة وفق شروط و أهداف الثورة و التي هي أهداف و تطلعات الشعب في الحرية و العدالة و السلام و الديمقراطية و التنمية و الاستقرار. هذه أجندة وطنية يُمكن أن يلتف حولها كل الشعب السوداني إذا خلصت النوايا.

Haliem Abbas

Exit mobile version