تعسف لجنة .. المفصولين تعسفيا !(2)

لخصنا بالأمس اعتراضنا على منهج لجنة إعادة المفصولين .. في أنها ذهبت مباشرة في النظر في حالات المفصولين .. لتقرر بعدها .. مباشرة ايضا .. إعادة من تنطبق عليه شروط الإعادة .. مع المعالجات اللازمة للآخرين ..وقلنا أنه كان حريا باللجنة قبل ذلك .. أن تنظر في أوضاع مؤسسات الخدمة العامة .. وما إذا كانت مؤهلة لاستيعاب القادمين الجدد .. مهيأة لذلك .. هيكليا وماليا وإداريا .. ثم والأهم من ذلك .. أن اللجنة الموقرة تجاهلت السؤال المحورى .. هو مدى جاهزية اﻻقتصاد السودانى ﻻستيعاب هذه الأعداد الكبيرة .. القادمين بسنوات خبرة طويلة .. حيث أن واحدة من شروط التعويض ..إلحاق كل مفصول بدفعته .. وهذا حقه على كل حال .. مما تترتب على إعادتهم إلتزامات مالية ضخمة .. توازي سنوات خبرتهم المفترضة ..نقول المفترضة .. لأن جل من فصلوا من وظائفهم .. قد سلكوا مسارات أخرى و حصلوا على تخصصات مختلفة .. وقليل اولئك الذين استمروا في ذات مهنهم أو تخصصاتهم .. مما يجعل من عودتهم لمؤسساتهم .. إضافة لها ..!

ولعل النقطة الأخيرة هذه تفرض سؤالا مهما .. هل درست اللجنة الموقرة واقع المؤسسات التي تعيد اليها مفصوليها ..؟ من حيث قدرة هؤلاء العائدين على المواكبة .. مواكبة التطور .. ومواكبة نظم العمل الجديدة التي ولا شك قد طالت الكثير من المؤسسات ..؟ ثم هل نظرت اللجنة الموقرة في الوضع الوظيفي للموجودين بالفعل داخل تلك المؤسسات ..؟ من حيث تأثر فرص الترقي والتقدم أمامهم بوصول هؤلاء العائدين ..؟ قد يقول المنطق والعدالة .. إن المفصولين من ضحايا النظام اولى من اولئك الموجودين داخل تلك المؤسسات .. لكن المنطق شيء والواقع يمكن أن يكون شيئا آخر تماما .. وهو واقع لا خيار غير التعامل معه .. فكيف فكرت اللجنة فى معالجة منقصات الرضا الوظيفى .. للعائدين ولآولئك المقيمين على حد سواء ..؟

ذكرنا بالأمس أنه كان على اللجنة أن تراجع أوضاع المؤسسات التي فصل منها هؤلاء الضحايا .. و تلك التي لم يفصلوا منها .. لماذا ..؟ لأن افتراض أن كل المؤسسات التي شهدت الفصل قادرة على استيعاب منسوبيها السابقين افتراض يجانبه الصواب .. لأن بعض المؤسسات قد جرفها تيار الخصخصة .. فلم يعد لها وجود أصلا .. ولأن مؤسسات أخرى .. قد تحولت الى مراكز إعاشة .. فازدحمت بالمنسوبين والمحظوظين والمحظيين .. وليس فيها موطيء قدم لقادم .. ولأن بعض المؤسسات .. قد أصابها التدهور والوهن .. فتراجع أداؤها .. فعلى سبيل المثال .. فآخر قوائم أصدرتها اللجنة الموقرة .. بإعادة مفصولين فى عدد من المؤسسات .. فإن مؤسستين فى قطاع واحد .. تعمل إحداهما بعشرة في المائة من طاقتها .. بينما تعمل الأخرى بثمانية عشرة فى المائة من طاقتها .. علما بأن هذا الوقت تحديدا هو ذروة الموسم فى ذلك القطاع .. ماذا يعني هذا ..؟ هذا يعني أن هذه نماذج حية لمؤسسات غير مؤهلة لاستيعاب العائدين اليها .. عليه فإن مراجعة شاملة لمؤسسات الخدمة العامة .. كانت ستتيح فرصة أفضل لحصر المواقع الشاغرة في كل تلك المؤسسات .. وإستيعاب من تتوفر فيهم الشروط .. في مختلف المواقع .. كان ذلك سيحقق نتائج مهمة تصب كلها في خانة إصلاح الخدمة العامة .. ومن أهم تلك النتائج .. قطع الطريق على شبح فائض العمالة الذي يهدد الكثير من المؤسسات .. كما أن الاستيعاب وفق الحاجة الفعلية يرفع عن هؤلاء المستوعبين الإحساس أنهم مجرد أرقام إضافية دون حاجة حقيقية .. إن الاستيعاب وفق الحاجة ووفق الوظائف الشاغرة يقطع الطريق .. نمو مشاعر .. بالتباغض والضيق محتملة .. بين العائدين والموجودين بالفعل .. !

وأخيرا وكما قلنا بالأمس .. فإن جعل مسئولية المعالجات المطلوبة لضحايا النظام السابق من المفصولين تعسفيا .. ايا كان شكلها .. على عاتق الدولة لا عاتق المؤسسات التي فصلوا منها .. يخرج هؤلاء الضحايا من تحت رحمة ظروف تلك المؤسسات .. ويجعل الأمر بندا ملزما من بنود الموازنة العامة .. لا بندا ثانويا فى فائض ميزانيات تلك المؤسسات ..!

محمد لطيف
السوداني

Exit mobile version