مامون حميدة مرة أخرى

أتاني صوتها عبر الهاتف مجهدا كأن على أكتافها أحمال سنين، حكت بالتفاصيل ما تعرض له إبنها وزملائه في الجامعة من ظلم مبين، مطالبة بإيجاد حل لهؤلاء الشباب الذين دفعوا مستقبلهم ثمنا لمشاركتهم في الثورة المجيدة ومطالبهم المشروعة في الحرية والسلام والعدالة.
تعود تفاصيل القصة إلى خروج طلاب وطالبات جامعة العلوم والتكنلوجيا (جامعة مأمون حميدة)، ضمن بقية فئات الشعب السوداني في هبَة ديسمبر 2018 المجيدة، مطالبين بإسقاط حكم الطاغية، وحقهم في العيش الكريم بعد سنين الشظف العجاف.
خلال الفترة التي جرت فيها تلك الأحداث البطولية، وبعد أن قررت جميع الجامعات السودانية الإعتصام عن الدراسة والتفرغ لإسقاط النظام، رفضت إدارة مأمون حميدة إعتصام طلابها وأعلنت إستمرار الدراسة، وعاقبت بالفصل كل من رفض الدخول لقاعات الدرس، بل وطالبت بإدخال كتائب الأمن والشرطة للحرم الجامعي لإخراج الطلاب المعتصمين في سقطة أخلاقية لم تشهد لها الجامعات السودانية مثيل، وتابعنا جميعا ما حدث وقتها من أحداث عنف ضد الطلاب كان أبطالها كتائب الظل ومنسوبوا هيئة العمليات سيئة السمعة بجهاز الأمن والمخابرات، وشاهدنا كيف كانوا يخرجون الطالبات بوسائل حبيثة لم تخلو من التحرش الجنسي الواضح، وإيداعهن الحراسة قبل أن يأت أولياء أمورهن لإطلاق سراحهن مقابل التوقيع بعدم مخالفة قرارات إدارة الجامعة. وبعدها فصلت إدارة الجامعة من فصلت وقررت للبعض منهم إعادة السنة، ورفع بعدها الطلاب وأولياء امورهم الأمر للقضاء عبر قاضٍ نزيه حسبما وصفوه بداية، والذي أنصفهم وأصدر قرارة الملزم لإدارة الجامعة بإعادتهم، إلا أن خروج الدكتور مامون حميدة مالك الجامعة من السجن بشكل مفاجئ كان قاصمة الظهر، فتغيرت الامور وباتت كافة القرارات ضد مصلحة الطلاب، لدرجة تغيير مسار القضية بإبعاد القاضي الذي حكم للطلاب إلى منطقة أخرى، وضاعت ملفات القضية ولم يتم العثور عليها لوقت طويل، وعقب اللجوء لرئيسة القضاء وشرح أبعاد القضية، انصفتهم بإعادة القاضي مرة أخرى إلا أنه فاجأ الجميع بشطبه للقضية دون أي مبرر كاف مما شكل صدمة قاسية للطلاب وأسرهم.توجهوا بعدها طالبين الإنصاف من وزيرة التعليم العالي، إلا أنها أكدت لهم أن الأمر خارج صلاحياتها.
إدارة الجامعة ومع الضغط المتزايد عليها عقب سقوط النظام إضطرت للموافقة على إرجاع الطلاب المفصولين ومنح الفرصة لمن تقرر لهم إعادة العام الدراسي (بشروط قاسية) منها سداد الرسوم بالسنة الجديدة وليس الرسوم المقررة في السابق، ورفض عودة من تقرر عليهم إعادة السنة الدراسية حسب الإتفاق، ومنهم العديد من طلاب الطب المستوى الثالث والرابع والخامسـ إضافة لسحب المنح المجانية من الطلاب الذين إستحقوها بجدارتهم والتي منحتها لهم إدارة الجامعة لإستعادة سمعة الجامعة التي هجرها الجميع عقب السمعة السيئة التي إلتصقت بها بعد انضمام الكثير من طلابها ل(داعش)، ما أضطر أولياء أمور بقية الطلاب للقيام بواجب المشاركة في جمعها وسدادها نيابة عنهم.ليس هذا فحسب، بل تمادت الإدارة ورفضت توفير مستشفى لتدريب طلاب السنوات النهائية بحجة أن لجنة إزالة التمكين قد صادرت المستشفى الاكاديمي المملوك لحميدة، وعقابا لهم طالبتهم بالذهاب للجنة إزالة التمكين لتعيد لهم المستشفى بدلا عن سعيها لإيجاد مشافي أخرى ولو بسداد رسوم إضافية.
ظنَ الطلاب خيرا في حكومتهم، فكانت مقابلتهم لرئيس لجنة إزالة التمكين (الفريق ياسر العطا) والذي بدوره أكد لهم أن النائب العام هو من يملك صلاحية ذلك، وإتجهوا لعضو لجنة إزالة التمكين صلاح مناع، وايضا لم يأت بغير ما أتى به العطا، مؤكدا لهم أن الامر خارج نطاق صلاحياتهم، ونسي أن المقعد الذي يجلس عليه الآن دفع ثمنه هولاء الطلاب سنتين من أعمارهم، وقبلهم زملاء وإخوة لهم دفعوا الثمن أرواحهم.
ما نخلص له أن ذات أيادي الإنقاذ المتسخة لا زالت تعيث فسادا في الدولة دون ان تجد من يتصدى لها من المسؤولين الذين باتوا أشبه بالحملان الوديعة امام سطوة وجبروت فلول الإنقاذ.
الرسالة لرئيس مجلس الوزراء ووزيرة التعليم العالي ورئيسة القضاء بأن يتابعوا ما يدور داخل جامعة مامون حميدة، وما يدور خارجها أيضا، ويحسموا هذا الملف الحساس وفي اقرب فرصة، فهؤلاء الطلاب مسؤوليتهم في أعناقكم.
الجريدة
هنادي الصديق

Exit mobile version