حالة تحرش…!

-١-
في محادثة هاتفية مع رمز وطني يجد احترام وتقدير غالب السودانيين، نقل لي دهشته من القرارات الغريبة والصادمة التي تصدرها الحكومة.

قال إنه لا يعرف سبب تحرش الحكومة بالجماهير والتمادي في استفزازهم، رغم ما وجدته من تأييد وزخم شعبي واسع؟!
محدثي كان يشير إلى الزيادات المغلظة في الوقود والكهرباء ورسوم الخدمات.

التحرش بالجماهير، وصف دقيق ولطيف لتوصيف إصرار الحكومة الانتقالية على وضع سياسات قاسية وإصدار قرارات صادمة، دون أن يرمش لها جفنٌ أو يرتعش لها فؤادٌ!
-٢-
حينما ترفع الحكومة يدها عن دعم الوقود دون ترتيبات حمائية للشرائح الضعيفة، تكون بذلك قد ضاعفت أسعار السلع وضغطت على الجراح.
وعندما ترفع أسعار الكهرباء الى أكثر من ٥٠٠٪؜، ستكون بذلك قد أطفأت نور الأمل، وأشعلت حرائق في جيوب كل المواطنين، وأبقت على يدها في المياه الباردة!
المشكلة ليست في الزيادات المهولة (الشاكوشية) فقط، ولكن في طريقة تتفيذها بصورة فيها قدر من الاستهتار واللا مبالاة وربما السادية.
-٣-
الحكومة وهي تصدر تلك القرارات الداوية لا تكلف نفسها بتقديم تبريرات تقنع بها الجماهير، بحجج أنها مضطرة لذلك، وتطلب من الشعب العفو والغفران.
الحكومة وهي تشعل تلك الحرائق في الأسواق لا تسعى لإيجاد ما يخفف من آلامها وأوجاعها ويبرئ جراحها.
الحكومة وهي تتخذ تلك القرارات تفعل ذلك على أضيق نطاق!
دون إجراء أي مناقشات مؤسسية عميقة أو مشاورات سياسية واسعة، وقد يكون الأمر محصوراً في وزيرين ورئيس الوزراء!
-٤-
الحاضنة السياسية التي جاءت بوزارة حمدوك الانتقالية لم تعد تملك من أمر حكومتها شيئاً.

بات دورها ونفوذها لا يتجاوز إصدار البيانات وتسجيل التعليقات وإبداء الأسف والحسرة والإعراب عن الإحباط والاستياء!
انقسام الحاضنة على نفسها وما بينها من صراعات وتجاذبات، أغرت حمدوك بالانفراد باتخاذ القرارات دون مرجعية سياسية.
-٥-
فقد شبّ حمدوك عن الطوق السياسي، ولم يعد في حاجة إلى من يحضنه أو يملي عليه قرارات أو يفرض عليه سياسات.
هو ومن معه من شلة الأصدقاء وبعض الوزراء أصبحوا هم حاضنة أنفسهم دون حاجة إلى أوصياء متشاكسين!
-٦-
المؤسف والموجع حد الصراخ رغم كل تلك الزيادات الصاقعة والعاصفة لا نزال نعاني أزمة الندرة في أبشع صورها:

تم رفع أسعار الوقود ولا تزال الصفوف تتلوى كالأفعى في الطرقات!
تم إدخال سياسة الخبز التجاري ولا يزال الخبز عصياً عن المنال بيسر وسهولة!
تم رفع أسعار الكهرباء – بصورة غير مسبوقة- ومع ذلك القطوعات مستمرة!
حكومة حمدوك ترفع يدها عن كل شيء، وتريد أن تبقى عجيزتها على المقعد بكل هدوء وسرور!
– أخيراً –
سنقول لحكومة حمدوك ما قلناه لحكومة البشير قبل سقوطها بأشهر:
إذا لم يحدث الإصلاح الشامل، ويتيسَّر معاش الناس في حدود صون كرامتهم الإنسانية، سيخرجُ المُواطن للمواجهة المفتوحة، دون اعتبارٍ لما يترتَّب على ذلك.
إذا جاءت الساعةُ الخامسةُ والعشرين، معادلة الصفر وأوان الازفة.
ساعة اليأس وفقدان الأمل، حين يصبح البقاء في المنازل أصعب من الخروج إلى الشارع لمواجهة كل الاحتمالات.
حينها سيصبح الموت والحياة على حدٍّ سواء!

ضياءالدين بلال – صحيفة السوداني

Exit mobile version