محمد عبد القادر
أخطأت سلطات الحكومة الانتقالية في التعامل مع إفطار الإسلاميين أمس الأول الخميس، كتبت قبل أيام وفي نفس هذه المساحة مقالاً بعنوان..( إفطار الإسلاميين .. اختبار الشعارات)..كان الأحرى بالقائمين على الأمر التعامل بشكل أفضل مماحدث مع الموقف، وتقديم صورة تتواءم مع مانفستو ومبادئ الثورة ( حرية – سلام – وعدالة).
في ظل غياب العقل المركزي للدولة، والموجهات المحروسة بروح التغيير سيظل الحاكمون بلا بوصلة تهديهم إلى النهايات الصحيحة، يغرقون في (فش الغبينة وخراب المدينة )، يزيدون حدة الاستقطاب ويتعاملون بروح التشفي والانتقام مع منسوبي النظام السابق، فيغيب القانون وتزهق روح الحرية وتغيب العدالة..ويتحول الشارع إلى مواجهات غير مأمونة العواقب .
واهم من يظن أن بإمكانه استئصال شافة الإسلاميين واقتلاع وجودهم من الجذور شأنهم شأن المكونات السياسية والفكرية الأخرى ، هذا تيار عريض له وجود كبير ومؤثر ، نعم أبطأت أخطاء التجربة بحراكه خلال العامين الماضيين؛ لكن امتدادات حضوره مازالت تتفرع داخل المجتمع والبيوت، ومع اشتداد وطأة استهداف قيم الدين والمجتمع التي توارثها السودانيون كابراً عن كابر.
الأولى للحكومة الانتقالية وبدلاً من إعلان حرب الشوارع على الإسلاميين الانصراف لمعالجة الأسباب التي يمكن أن تغذي المعارضة، وتُحكم الحصار على السلطة القائمة، وأعني هنا أزمات الخبز الوقود والخبز والغاز والكهرباء والمياه والدواء مع الغلاء والارتفاع الجنوني لأسعار السلع.
أكثر ما دفع السودانيين لإنجاح ثورة التغيير أنها جاءت مصحوبة بالدعوة لقيم سياسية راشدة ، ولإصلاح جذري يتجاوز بالوطن مربع التشفي والغبينة والإقصاء والتمكين لجماعة أو حزب، ويتبنى تنفيذ شعارات الحرية والسلام والعدالة ، ترى أين هذه القيم مما حدث في إفطار الإسلاميين أمسية الخميس المنصرم.
ليس من الإسلام أو أخلاق السودانيين، الاعتداء على مصلين لم يحلل بعضهم صيامه بعد، ولا أدري ما هو المهدد الأمني الذي يمكن أن يفعله شخص صائم يقف خاشعاً بين يدي الله، ألم يكن بالإمكان تأجيل إلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع إلى ما بعد الصلاة حتى إن كانت السلطة مصرة على التصدي لإفطار الإسلاميين بالحديد والنار.
التعامل مع الإفطار وفق ما شاهدنا من فيديوهات وثقت اللحظة (فضيحة سياسية) بكل المقاييس تشير إلى سوء تقدير بالغ في التعامل مع الموقف، إن لم تسفعفكم شعارات الثورة التي حملتكم إلى هذه المواقع، كان الأولى أن تنقذكم أخلاق السودانيين من التورط في مثل هذه الأزمة التي سيكون لها ما بعدها في ترتيب العلاقة المستقبلية بين الإسلاميين والسلطة الحاكمة..
يا أهل السلطة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، وحتى الوافدين إليها من الحركات المسلحة، أليس فيكم رجل رشيد، ما هذا الذي يحدث وكيف ينحرف مسار الحكم في عهد التغيير إلى مثل هذا السلوك الذي لايشبه روح ولا شعارات الثورة.
تابعت ردود الفعل المنددة بما حدث من أطراف ذات صلة بحكومة قحت وأعني بيانات وزير الصناعة إبراهيم الشيخ وماصدر عن حزبي الأمة القومي وجناح السيد مبارك الفاضل، توقعت ردود فعل أقوى من سائر قوانا السياسية والمجتمعية، أحزابنا مطالبة بالمنافحة عن حرية التعبير والتجمعات للأغراض السلمية لأنها ستكون في يوم ما بذات المربع الذي يحاصر فيه الإسلاميون الآن .
أين قيادات الحركات المسلحة مما حدث للإسلاميين ، هل يتوافق هذا السلوك مع الأسباب التي حملوا من أجلها السلاح، وثاروا حتى دخلوا بجيوشهم الخرطوم، لم نسمع من أحد باستثناء ياسر عرمان الذي مازال يمسك العصا من المنتصف ينتقد طريقة التعامل مع الإفطار ولاينسى أن يهاجم الإسلاميين في ذات الوقت و(يصلح الساعات)..
استقيموا جميعاً، ورتبوا الملعب لممارسة سياسية محترمة ونظيفة تتوافر فيها الحريات، فالزمن دوار يوم لك ويوم عليك، دوام الحال من المحال ولو دامت لغيركم ما آلت إليكم، أحسنوا استخدام السلطة وهيئوا المناخ الذي يكفل للجميع الحرية والحقوق المتساوية، لو كانت أدوات القمع تجدي لما سقطت الإنقاذ، لماذا تقرأون من ذات الكتاب ولا تستفيدون من تجارب من سبقوكم..
اتركوا الإسلاميين في مراجعاتهم، دعوهم يقيمون تجمعاتهم بحرية تامة وتعاملوا معهم وفق القانون بعيداً عن التشفي والغبينة.
رحم الله الزبير احمد الحسن
نترحم على روح الدكتور الزبير احمد الحسن الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، ونسأل الله أن يتقبله مع الصديقين والصالحين، ننعيه ببالغ الحزن والأسى، ونأمل أن تكون وفاته درساً للسلطة التي تحتفظ بمتهمين سبعينيين أصحاب أمراض يحتاجون إلى إيداعهم في غرف خاصة مع انتشار كرونا مع توفير رعاية طبية خاصة ، وقبل هذا وذاك استعجال محاكماتهم وتوفير كافة الحقوق التي يكفلها القانون..
رحم الله الزبير ، نشهد أنه كان مهذباً ونبيلاً وصادقاً وحيياً لا يخاطبك إلا همساً، عملت صحفياً والتقيته في مواقع عديدة كان فيها مخلصاً ومحترماً في الحوار والمراجعة حتى، وإن لم يرقه مانكتب، كان يحتفظ مع الصحفيين بصلات ودودة وتقدير بائن رغم إمساكه بأسخن الملفات؛ وزارة المالية، يتقبل الرأي الآخر بصدر رحب ويدير معك بهدوء حواراً بالحقائق والأرقام .. كان سودانياً كريماً وأصيلاً. العزاء لعضوية الحركة الإسلامية الممتدة ولأهله وعشيرته ولأسرته الصغيرة، إنا لله وإنا إليه راجعون..
صحيفة الصيحة
