لماذا يجب أن لا يعود حمدوك ؟

مقدمة :
كما أنه لا يمكن عزل المشير عبدالفتاح البرهان عن الجيش و الذي يمثل حاضنته و مركز قوته و رأسماله الرمزي و الحقيقي فأننا لا يمكن أن نعزل حمدوك عن الدائرة التي رشحته و نصبته على رأس الوزراء في السودان .
عملية الترشيح ليست فعلاً عشوائياً بل هي تعبير عن دوائر المصالح و المصلحة المشتركة و في الحد الأدنى فأنها تعبر عن الايدلوجيا و التصورات المشتركة .
هذا يعني أن المجموعة التي رشحت حمدوك ترى فيه معبراً رئيسياً عن مصالحها و عن توجهاتها السياسية و رؤيتها لشكل الدولة ، أما هذه الخلافات التي تطفو على السطح من حين لحين فهي تعبير عن خلاف درجة و ليس خلاف نوع ، بمعنى أنه خلاف في ترتيب الأجندة و الأولويات و ليس خلاف على الأجندة نفسها .
و بذلك فأن حمدوك لا يمكن فصله نظرياً عن المحيط الذي يتحرك فيه و الذي يشمل مجموع علاقاته منذ أن كان طالباً في جامعة الخرطوم و حتى هذه اللحظة التي يقبع فيها في الأقامة الجبرية ، دعونا ندرس المجموعات التي يعبر عنها حمدوك و يدور في فلكها :
أولاً : مجموعات تنظيم كومولو السري ذات البعد العرقي و المناطقي ، و هي تنظيمات ينشط فيه أبناء جبال النوبة و جنوب كردفان ، جمعت حمدوك مع عبدالعزيز الحلو و يوسف كوة مكي و عدد من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان المؤسسين ، كما جمعته مع عدد من أبرز قيادات حكومته و على رأسهم جادين وزير الطاقة و الكهرباء .
ثانياً : الحركة الشعبية و مدرسة السودان الجديد ، و هي مدرسة تستعدي كل مناطق شمال و وسط السودان و تنظر اليهم باعتبارهم أس أزمة البلد و الى ثقافتهم بأعتبارها ثقافة قائمة على ازدراء الثقافات الأخرى و أستبدالها ، يعبر عن هذه المدرسة بوضوح المستشار السياسي لحمدوك و أكثر العناصر تطرفاً في الحركة الشعبية ، الى جانب عقار رئيس الحركة الشعبية شمال و الذي ينشط في جنوب النيل الأزرق ، بطبيعة الحال فأن هذه التيارات السياسية لم تجد بداً من تأييد حمدوك و لم تجد غضاضة في ادانة الخطوات التصحيحة التي قام بها المشير برهان رغم أنها جزء من اتفاق سلام جوبا .
ثالثاً : خطابات المظلومية و التهميش ، المعبر الموضوعي عنها هم شركاء المشير برهان في تصحيح المسارمن الحركات المسلحة و هم الأقل تطرفاً في مقابل المجموعة الأكثر تطرفاً التي يمثلها عبد الواحد محمد نور و عدد من المسلحين و المدنيين من نشطاء دارفور و على رأسهم محمد الحسن التعايشي و مجموعته .
رابعاً : تيار حركة القوى الجديدة و مرافيد الحزب الشيوعي بقيادة الحاج وراق و هو صديق مقرب لحمدوك ، الى جانب مجموعة التغيير الأن و نشطائها و أبرزهم الشريف و الريح و سراج و هواش و فريد .
خامساً : الحزب الشيوعي السوداني و حلفائه في منظمات المجتمع المدني .
سادساً : التيار الليبرالي في السودان و الذي يجمع النسويات و نشطاء المنظمات على سبيل المثال (… ) و ( منظمة … بالعمارات شارع … ) و مبادرة 50 و أخريات .
سابعاً : مجموعة من الأسلاميين الليبراليين المرتبطين بالتنظيم الدولي و دولة قطر ، أبرز الأسماء الحركة الوطنية للتغيير بزعامة …. .
ثامناً : مجموعة من النشطاء الوالغين في الاساءة للقوات المسلحة و يخشون سيطرة الجيش على مفاصل الحكم خوفاً من الملاحقة الجنائية / أمثال أسعد التاي و محمد حسن بوشي و أخرين .
تاسعاً : الأحزاب الأربعة المسيطرة على قوى الحرية و التغيير بكافة هياكلها و منسوبيها .
التحليل :
حمدوك متردد ، و لا يمكن الإعتماد على القرار الذي سيتخذه يمكن مراجعة جملة مواقفه منذ بداية الأزمة .
حمدوك مخادع ، هو الأن داخل البلد و تحت سيطرة قادة التغيير لذا فأنه لن يظهر النوايا الحقيقية و بمجرد تنصيبه كرئيس وزراء فأنك لن تستطيع منعه من السفر أو المغادرة مما يعني أنك معرض في أي وقت لسناريو خروج حمدوك في رحلة يعقبها اعلان حكومة مهجر و التراجع عن كل ما التزم به .
حمدوك ضعيف ، سيخضع للحواضن السياسية التي رفعته الى هذا المنصب و لن يجروء على معارضتها مجازفآ برصيده السياسي الذي صنعه مؤخرآ .
حمدوك قوي ، سيرجع بعد تسوية سياسية تضمن صلاحيات كاملة له كرئيس وزراء ، قد تضمن الدولة الا يقوم حمدوك بتعيين وزير حزبي و لكن التمكين الحزبي سيستمر عبر قنوات أخرى غير مباشرة ، أقصد قد يكون الرجل الأول في الوزارة محايد أو مستقل لكن كل الهيئات الوزارية قد خضعت لعمليات تمكين موسعة في أخر عامين .
تعيين حمدوك و وضع قحت في المعارضة يعني تفرغ حمدوك للتمدد في مؤسسات الدولة مع تسليط اعلام قحت على المؤسسات العسكرية و الأمنية مما يضعف دورها و تأثيرها و يضعها دون الشريك الذي لا تسيطر عليه تحت الضغط .
الخلاصة:
المجموعات التي تحيط بعبدالله حمدوك و تدعمه هي حواضن بالتعريف معادية للجيش ويحكم تفكيرها و نظرتها للجيش المفهوم ( الجيفاري ) ، أي أن الثائر في حالة صدام دائم مع الجيش لا ينتهي الا باحكام أحد الطرفين السيطرة على الحكم ، و هو ما يشرح لك الأدبيات الضخمة لهذه المجموعات المخصصة للهجوم على المؤسسات العسكرية و الأمنية .
المجموعات التي تحيط بحمدوك تعادي جذرياً هذا التغيير و أن مال حمدوك في أتجاه الجيش فسيفقد قيمته لأنه سيفقد دعم حواضنه السياسية و الشعبية ، و سيصبح بلا فائدة و لا قيمة للجيش نفسه .

عبدالرحمن عمسيب

Exit mobile version