موجودة في أكثر من “22” متحفاً عالمياً .. الآثار السودانية في متاحف العالم.. “التاريخ السائب”

ليس هناك مبرر يمكن أن يكون مقبولاً لعدم المطالبة باسترداد القطع الأثرية السودانية التي نُهبت على فترات وتعج بها متاحف العالم وتتنقل بين معارضه، فكثيرٌ من بلدان المنطقة وعلى وجه الخصوص مصر وإثيوبيا تعرَّضت لعمليات نهب وسطو لآثارها مثلما حدث للسودان، لكنها تمكَّنت من استرداد معظمها أو اتفقت مع المتاحف العارضة على إرجاع ما تبقى منها أو وضعت أسساً لعرضها، إذن ما الذي يمنع أن يبدأ السودان حملة “مسنودة بمهتمين وبتشريعات دولية” لاسترداد عشرات الآلاف من القطع الأثرية التي إما سُرقت وبيعت للمتاحف الأوروبية أو تمّ ترحيلها إبان الفترة الاستعمارية.

هذا التحقيق لا يستعرض الأسباب التي جعلت من السودان “دولة متقاعسة” في المُطالبة بحقها الطبيعي في استرداد ما نُهب منها، بقدر ما يرصد ما هو معروض حالياً في متاحف العالم ويشكل جزءاً من قائمة طويلة من الآثار المنهوبة.

وتشمل القائمة، أنواع تلك المقتنيات المنهوبة بجانب الفترات التاريخية التي انتجتها والمتاحف العالمية التي تضمها بين جدرانها وتتباهى بملكيتها من دون ان يتجرأ أحد للمطالبة بردها.

نهب رسمي:

تعرَّض السودان مثل غيره من بلدان العالم الثالث لـ”سرقات التاريخ” وكان ذلك على فترات متعددة، أهمها فترة الاستعمار التركي “1821 – 1885” والإنجليزي المصري “1898 – 1956″، وقد تم ذلك من خلال بعثات رسمية تمثل الاستعمار أو من المتاحف الأوروبية التي كانت تسعى لامتلاك “ذاكرة الدنيا”، بجانب أفراد وعصابات تمارس عمليات تهريب الآثار بقصد بيعها للمتاحف العالمية وللأفراد المهتمين بجمع التحف في العالم، يمثل الطبيب الإيطالي فرليني ورفيقه الإيطالي ستيفاني أشهر قراصنة الآثار السودانية، لجهة أن تدميرهم لأربعة من الأهرامات الملكية المروية كان ذلك سبباً في الكشف عن الكثير من التحف الفنية الذهبية والفضية والمعادن الأخرى “هذه القطع متوزَّعة حالياً بين متحف ميونيخ وبرلين”، وغيرها وجد طريقه الى بقية متاحف أوروبا وأمريكا.

مصلى مروي في بلروسيا

من بين أشهر المقتنيات الأثرية التي رُحِّلت من السودان “على عينك يا تاجر” جدار لأحد أكبر الأهرامات المروية، رُحِّل هذا الجدار مع مجموعة من القطع الأثرية النادرة إبان الحكم التركي للسودان، وهذه القطع موجودة حالياً في المتحف المصري بجامعة كارل ماركس بلايبزج في بلروسيا، وحسب معلومات أوردتها مجلة أركماني وموسوعة ويكيبيديا، فإن المتحف المعني يضم مجموعة الآثار التي أخذها المنقِّب البلاروسي ريتشارد لبسيوس من منطقة النوبة عقب انتهاء عمل البعثة الملكية البلروسية في الأعوام “1842 – 1846″، وانها تشتمل على جدار كامل من مصلى أحد الأهرام المروية، بالإضافة الى آثار نوبية من ثقافة المجموعة الثالثة، رحّلتها بعثة جامعة فيينا التي أشرف عليها هيرمان يونكر.

شظايا معمارية في همبولدت

وفي جامعة همبولدت، يضم معهد آثار السودان مجموعة متميزة من الشظايا المعمارية، والمصنوعات الفخارية، ومواد آثارية دراسية من أعمال التنقيب الآثاري التي نفّذتها الجامعة في موقع المصورات الصفراء منذ ستينيات القرن العشرين، وفي ليفربول يحتوي متحفها الشهير على مجموعة مصوغات من أعمال التنقيب المبكِّرة التي نفذها جون جارستانج في مروي (البجراوية) (1910-1912).

وأهرامات في أمريكا

يمثل متحف ومركز الفنانين الآفرو- أمريكيين في بوسطن مركزاً دائماً لعرض القطع المستعارة من الأهرامات الملكية في نوري، وكذلك لإعادة تركيب لوحات ملوَّنة ومنحوتة من غرفة الدفن في مدفن الملك أسبالتا (حوالي 600- 580 ق. م)، بما في ذلك نموذج مصنوع من الزجاج المغزول الليفي الشكل لتابوته الذي يزن 12 طناً، وهو التابوت الذي ما زال يُحتفظ به في متحف بوستن للفنون الجميلة، “حسبما أوردت موسوعة ويكيبيديا الحرة”، ويمتلك متحف بوسطن للفنون الجميلة أكبر مجموعة من الموضوعات الفنية والتحف من النوبة والسودان في الولايات المتحدة الأمريكية.

تابوت الملك أسبالتا

وقد كانت بعثة متحف بوستن التي أشرف عليها عالم الآثار جورج رايزنر نقَّبت في العديد من المواقع في النوبة المصرية (1906-1907)، وفي الحصون والقلاع المصرية في الجندول النيلي الثاني (1928-1932)، وفي أكبر مدن السودان القديم – كرمة (1913-1915)، ونبتة (1916-1920) ومروي- البجراوية – (1920- 1924).

نتيجة لأعمال التنقيب تلك، نالت بعثة المتحف نصف ما تم اكتشافه من آثار منقولة، وبلغت تلك النسبة آلاف القطع التي اشتملت على أعمال نحت صروحية وتماثيل ضخمة لملوك السودان القديم، شملت تلك النسبة فيما شملت تابوت الملك السوداني أسبالتا (600- 580ق. م) الذي يزن 12طناً والنقش الأطول المعروف حتى الآن باللغة المرويّة، كما اشتملت النسبة على كنوز ملوك السودان وملكاته الذين حكموا مصر والتي تم الكشف عنها في مدافنهم بـ”الكرو”. وتحتوي المجموعة على المُحتويات الجنائزية – مجوهرات ذهبية، وتمائم من الفايانس، والمصنوعات الفخارية، والأواني الحجرية، والمصنوعات الزجاجية، وأهم المصنوعات الإغريقية والرومانية المستوردة – المكتشفة في نوري ومروي (البجراوية).

أساور في بوسطن

يضم متحف بوستن مواد من مواقع نوبية عديدة بما في ذلك مصنوعات فخارية وأساور من المحار من كشتاماني، ومشغولات صغيرة جمعت من الفترة النبتية من جبانة صنام (الضفة المقابلة لجبل البركل) في موسمي 1912-1913، ومن موقع المدينة المصرية في سيسبي في موسم 1936-1937، كما ويضم المتحف وقاعة عرضه مجموعة مصنوعات فخارية، وأعمالاً من الحجر، وموضوعات صغيرة، وأعمال نسيج من قصر إبريم في الأطراف الشمالية للسودان القديم (النوبة المصرية حالياً).

مصوغات نادرة في بروكلين

يضم متحف بروكلين للفنون، واحدة من أكثر المجموعات للفن السوداني، بعض هذه المعروضات مجلوبة من النوبة المصرية، وبعضها يرجع لفترة السيطرة السودانية على مصر (الأسرة 25)، وفي متحف فيتزوليام يضم متحف المدينة، مجموعة رائعة من التحف والموضوعات النوبية ومجموعات من عصر السيادة السودانية على مصر (الأسرة 25)، أما متحف بيبودي بجامعة هارفارد للآثار والاثنوغرافيا فيحتوي على مجموعة أدوات وهي صنيعة نوبية عثر عليها جورج رايزنر، الى جانب مصنوعات من مواقع مماثلة من ليبيا والسودان، وفي متحف كارولوس بجامعة أموري تتفاوت المجموعة بين أدوات ومصوغات من الأزمان ما قبل الأسرية.

وفي أمريكا أيضاً يضم متحف الميتروبوليتان للفنون بالعاصمة نيويورك يحتوي على موضوعات نوبية قليلة، العديد من القطع ترجع إلى عصر السيادة السودانية على مصر (الأسرة 25)، وتصور العديد من موضوعات النوبيين.

أما متحف معهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو فيمتلك مجموعة من الآثار السودانية، إذ يَحتفظ بالأرشيف الفوتوغرافي الأقدم للصروح السودانية، التي التقطها برستد في عامي 1906-1907، بالإضافة الى مجموعة آثارية دراسية هائلة لبعثة جامعة شيكاغو إلى السودان في ستينيات القرن العشرين.

كبش نوبي في برلين

وفي متحف برلين “شارلوتينبورج”، توجد العديد من القطع التي أخذتها من السودان البعثة الملكية البلروسية التي ترأسها ريتشارد لبسيوس. من بين أكثر الموضوعات شهرة تمثال كبش من جبل البركل، وتمثال ملك نبتة أرماتيلكو (حوالي 580 – 560ق. م)، وتمثال الملك نستاسن (حوالي 300ق. م). كما تضم مجموعة هذا المتحف نصف الكنوز الذهبية الشهيرة الخاصة بملكة مروي الكنداكة أماني شاخيتي التي نهبها الطبيب الإيطالي فرليني بعد أن دمَّر هرمها مع أهرامات أخرى في البجراوية في 1833 بالديناميت بحثاً عن الكنوز.

مجاميع نوبية نادرة في باريس

أما متحف اللوفر، في باريس فيضم أروع المجاميع النوبية، لكن توجد العديد من الموضوعات المصرية التي صُنعت إبان السيادة السودانية على مصر (الأسرة 25).

وفي متحف الفنون والتاريخ بجنيف، فتوجد مجموعة مهمة من المكتشفات التي حققتها بعثة جامعة جنيفا منذ الستينيات، في المعبد الكوشي في تَبُو وفي موقع كرمة، بالقرب من الشلال الثالث.

تغطي كل مراحل تاريخ السودان القديم من مرحلة ما قبل التاريخ حتى العصر المسيحي، ويقتني متحف بروكسل مجموعة من إبداعات الفن السوداني القديم، مع بعض الموضوعات النوبية وموضوعات من عصر السيادة السودانية على مصر (الأسرة 25).

صفائح برونزية في وارسو

تحتوي مجموعة المتحف الوطني في وارسو على جُزءٍ من اللوحات الجدارية التي تمّ ترميمها بعد فصلها عن جدران كتدرائية فرس القروسطية خلال أعمال إنقاذ آثار النوبة في الستينيات “الجزء الآخر منها موجود بمتحف الآثار القومي للآثار في الخرطوم”، أما متحف الآثار الوطني في أثينا فلا يمتلك مقتنيات من السودان، لكنه يمتلك موضوعين مهمين من فترة السيادة السودانية على مصر (الأسرة 25): تمثال من البرونز في وضع ركوع للملك السوداني أسبالتا، وتمثال رائع من الصفائح البرونزية لسيدة سودانية اسمها تاكوشيت، أي (الفتاة الكوشية)، مطعَّم بالفضة.

وفي اسكتلندا الوطني، يضم متحف أدنبرة، مجموعة تماثيل وموضوعات أساسية من أعمال التنقيب التي نفّذها جون جارستانج لجامعة ليفربول في مروي – البجراوية – (1910-1912)، وموضوعات أخرى من أعمال التنقيب التي نفّذتها جامعة اكسفورد في السودان (1935-1938).

مناظير في كندا وبولندا

أما في بولندا فيحتوي متحف بوزنان للآثار على مجموعة دراسية مهمة خاصة ببقايا فترة ما قبل التاريخ في مواقع سودانية، نقَّبت فيها بعثة المتحف، وفي كندا يمتلك متحف أونتاريو الملكي بتورنتو، مجموعة موضوعات أثرية سودانية، بما في ذلك إعادة تركيب لبعض المناظر البارزة المصبوبة في قوالب بلاستيكية التي تصوِّر بعثة الملكة حتشبسوت الى بلاد بونت (الساحل السوداني – الإريتري)، وقد تمّت عملية الصب في قوالب في القرن التاسع عشر وهي تعيد تركيب وثيقة مهمة في تاريخ الاستكشاف الأفريقي في القرن الخامس عشر ق. م.

مجوهرات نوبية في ميونخ

وبالعودة إلى إلمانيا يضم متحف الآثار بجامعة ليفربول سجلات أعمال التنقيب، والصور الفوتوغرافية، والمواد الآثارية من أعمال التنقيب التي أجراها جون جارستانج وجامعة ليفربول في مروي – البجراوية – (1910-1912)، وفي ميونخ يضم متحف الدولة للثقافة، نصف المجوهرات الذهبية المنهوبة من مدفن الملكة المرَّوية أماني شاخيتي، التي نهبها المغامر الإيطالي جيوسبي فرليني في عام 1833 بعد أن تعرَّض موقع أهرامات البجراوية للتدمير باستخدام الديناميت بحثاً عن الكنوز الملكية، وقد تم شراؤها لاحقاً لمتحف ميونخ من قبل ملك بافاريا.

كباش نوبية في بريطانيا

وفي لندن يضم المتحف البريطاني، مجموعة معتبرة من حضارة النوبة والسودان. خصصت القاعة 65 كلياً للثقافات السودانية القديمة، تحتوي هذه الصالة على مواد ذات صلة بالثقافات الرئيسية لشمال السودان، مع كمية محدودة من المواد الرومانية والأكسومية، ويعرض المتحف مجموعة رائعة خاصة من قصر إبريم بما في ذلك مواد عضوية مثل الأخشاب، والجلود، وأوراق البردي، تم الكشف عنها عن طريق جريفيث في كوة (جم آتون)، من بين هذه الأخيرة الكباش التي عثر عليها خارج المعبد، وأبو هول يمثل رأسه الملك تهراقا الذي عثر عليه داخل المعبد. إلى جانب ذلك يضم العرض عدداً من القطع من عصر نبتة.

تمثالان لأسدين في لندن

أما المواد الأكثر شهرة من السودان تمثالان لأسدين نُصبا أصلاً في معبد أمنحتب الثالث في صلب وحولهما ملوك نبتة الى جبل البركل، كما يحتوي المتحف على مواد من أعمال التنقيب التي نفذها السير ولكام في جبل مويَّة، وسقدي، وابي جيلي، ومواد من مروي وفرس، أخيراً اقتنى المتحف عدداً من أعمال المسح والتنقيب التي تقوم بها جمعية البحث الآثاري السودانية في شمال إقليم دنقلا والى الشمال من مروي في قبتي. معظم المواد من إقليم دنقلا ترجع لحضارة كرمة، في حين ترجع معظم المواد من قبتي للعصر النبتي – المروي حتى الأزمان المسيحية.

في متحف الأشمولين للفنون والآثار باكسفورد، توجد الكثير من الموضوعات السودانية من عصر نبتة من أعمال التنقيب التي نفذها جريفيث في فرس وصنام في 1912، بما في ذلك تماثيل، ولوحات بارزة، وبعض اللقيا الصغيرة من معبد صنام وجبانتها. كما يحتوي المتحف على الكثير من المواد التي عثر عليها ايمري وكيروان في معابد كوة (جم آتون) في الثلاثينيات من القرن العشرين.

تماثيل في هارفارد

يحتوي متحف جامعة هارفارد على مجموعة أدوات نوبية وسودانية من أعمال التنقيب التي نفذها السير هنري ولكام في جبل مويَّة، وأعمال أوريك بيتس في جُميّ، وجورج رايزنر في مواقع مختلفة في السودان، أما متحف الآثار والأنثروبولوجيا لجامعة بنسيلفانيا فيضم مجموعة كبيرة من الآثار النوبية، الى جانب العديد من الموضوعات المصرية من النوبة، “الموضوعات النوبية” أتت في الأساس من بعثات جامعة بنسلفانيا في الأطراف الشمالية للسودان القديم (النوبة السفلى) وشمال السودان، ويمتلك متحف ورسستر للفنون قطعة نوبية واحدة فقط، لكنها واحدة من الأكثر شُهرةً.. إنّها لوحة صغيرة منحوتة بشكل رائع تحمل صورة أمير مروي يقضي على مجموعة أعداء، يقبض عليهم من شعورهم. تحت قدميه صورة كلب صيد ينقض على عدو آخر، في حين تحميه من أعلى آلهة بجناحيها.

الصيحة

Exit mobile version