من أكثر ما يقلقني في تداعيات وآثار الحرب الروسية على أوكرانية هو عدم تفهم الدول الغربية وبالذات أمريكا للموقف الهندي الرافض مقاطعة روسيا.
الإعلام الغربي يرى الهند مخطئة لأنها دولة ديموقراطية ويجب أن تقف مع العالم الغربي الديموقراطي فورا في مقاطعة روسيا. لماذا إذن لا تغلق كل الدول الأوربية ودون تردد الأنابيب لأي غاز قادم من روسيا، أليست هي دول ديموقراطية؟
الجواب لأنها دول ديموقراطية فهي لا تفعل ذلك، فهي تحقق مصلحة مواطنيها أولا والحكومات هناك منتخبة لتحقيق هذا الهدف.
في الهند أيضا وبكل بساطة توجد حكومة منتخبة وملتزمة بتحقيق مصالح مواطنيها، والدخول في الحصار على روسيا يضر بالإقتصاد الهندي وبالتالي مصالح الشعب الهندي.
ربما يكون هنالك تخوف حقيقي من التحالف مع روسيا على دول في افريقيا حيث تترنح بعض الدول حاليا تحت وطئة الإنقلابات العسكرية عبر حزام السافنا وإقليم الساحل الأفريقي، وهنالك نموذج أفريقيا الوسطى وكاتب هذا المقال هو أول من لقب رئيس أفريقيا الوسطى تواديرا (بشار أسد أفريقيا).
لولا الشركات الروسية لسقط تواديرا، نحن في السودان نخشى هذا النموذج، ولكن ما هي صلة الهند المستقرة سياسيا واقتصاديا بهذا الامر؟
مجددا، صحيح هنالك تخوف على الديموقراطية في بعض الدول من تقاربها مع روسيا ولكن هذا التخوف لا ينطبق على حالة الهند لأن قرار الإستمرار في التعامل الإقتصادي مع روسيا قرار ديموقراطي.
الهند إختارت عدم الإنحياز بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما إنقسم العالم إلى معسكرين تحت الأول تحت قيادة أمريكا والآخر تحت قيادة الإتحاد السوفيتي لماذا لم يقال للهند أنها يجب أن تقف مع الديموقراطية؟ الجواب بسيط للغاية لأن الإنقسام في فترة الحرب الباردة كان لا صلة له بالديموقراطية ولا غيرها ولم يدعي أي احد هذا، بل كانت أمريكا تؤسس وتدعم الجهاد الإسلامي الأفغاني في مواجهة الروس.
ما يحدث حاليا شئنا أم أبينا هو امتداد للحرب الباردة في شكل جديد، لكنه تحت اطار ذات القطبين واشنطون – موسكو، وعليه فالديموقراطية ليست هي الخط الفاصل حتى ولو كتبت عشرات المقالات آخرها مقال (جانيس لازدا) وهو الذي دفعني لكتابة هذا المقال للرد عليه، لأنه ليس مجرد كاتب عادي فقد كان مستشارا في البيت الأبيض ومجلس الشيوخ الأمريكي، ومع ذلك فإن مقاله الأخير في مجلة “بوليتيكو” يدور ويدور حول نقطة واحدة وهي أن الهند يجب أن تقف ضد روسيا فورا لأن روسيا دولة غير ديموقراطية والهند دولة ديموقراطية، هكذا وبكل تبسيط وتسطيح للقضية.
ربما تكون حاليا هنالك انتصارات لأوكرانيا على روسيا، ولا يوجد عاقل يتمنى هزيمة ساحقة لأوكرانيا، كل من لديه ضمير إنساني يتمنى أن تتوقف الحرب ويعم السلام ويتم إبرام معاهدة بين روسيا وأوكرانيا.
أيضا، لو نظرنا للعقوبات الأمريكية مجددا لوجدناها تهدد الجميع وليس روسيا فقط، فالحرب الروسية على أوكرانيا هددت إمدادات الغذاء في العالم كله، والعقوبات تؤدي إلى خنق العالم وليس روسيا.
العقوبات الآن تتسع دائرتها بجنون وتطرق أبواب الجزائر، هذا البلد الذي يشكل إحتياطي الغاز البديل الأقرب إلى أوربا، والتي يمكنها الإستقلال عن الغاز الروسي بالإعتماد على الجزائري.
بدلا من التوجه في هذا الخط تأتي التهديدات من الكونغرس الأمريكي – لأن الجزائر اشترت طائرات سوخوي من روسيا – وربما تؤدى إلى أزمة جديدة وبعدها تنتقل الجزائر للحلف الروسي وتتبخر خطط التعاون الأوربي الجزائري في الغاز الطبيعي.
هل الجزائر معادية للديموقراطية لأنها اشترت طائرات من روسيا؟ إذن أوربا معادية للديموقراطية لأنها تشتري الغاز من روسيا، واستمرت في هذا إبان غزو روسيا لجورجيا، ثم غزو روسيا للقرم، والآن بالحرب الروسية على أوكرانيا.
على الغرب وأمريكا تحديدا مراجعة موقفهم من الهند، لا أن تراجع الهند موقفها من روسيا.
صحيفة الانتباهة

