وسط ارتفاع التضخم والغرق بالديون.. مصر تبيع “فنادقها التاريخية”

مع ارتفاع معدلات التضخم في مصر وغرق البلاد بالديون، تقوم الحكومة المصرية ببيع بعض “أصول الدولة” لمستثمرين مصريين وعرب، وشمل ذلك مؤخرا عددا من الفنادق التاريخية، وفق تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.
أزمة اقتصادية وديون خارجية

وتعاني مصر واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35.2 في المئة مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.

وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164.7 مليار دولار، وفقا للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.

ومؤخرا، باعت الحكومة المصرية فندق مينا هاوس التاريخي، لقطب العقارات المصري الشهير، هشام طلعت مصطفى، واثنين من التكتلات الإماراتية القوية.

و”البيع المخيب للآمال لأصول الدولة” مثل فندق مينا هاوس وستة فنادق تاريخية أخرى، بتمويل من الإمارات، مؤشر جديد على ” تعثر الاقتصاد المصري، ومعاناة البلاد من أزمة ديون عميقة”، وفق حديث المحلل الاقتصادي، تيموثي قلدس لـ”الغارديان”.
إمبراطور العقارات

وهشام طلعت مصطفى هو أكبر مطور عقاري في مصر، وشهدت إمبراطوريته التجارية ولادة جديدة منذ إطلاق سراحه من السجن عام 2017، عندما عفا عنه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لأسباب صحية بعد إدانته بالقتل.

وفي عام 2010، أدين قطب العقارات، هشام طلعت مصطفى، وضابط الأمن السابق، محسن السكري، بقتل المطربة اللبنانية، سوزان تميم، عام 2008 في دبي.

وكشفت المحاكمة أن السكري عمل بأمر من عشيق تميم التي كانت تبلغ من العمر 30 عاما، هشام طلعت مصطفى، لقاء مليوني دولار، وفق وكالة “فرانس برس”.

وحكم على هشام طلعت، بالسجن 15 عاما قبل أن يستفيد في 2017 من العفو الرئاسي لأسباب صحية.

وتشمل محفظة طلعت مصطفى العقارية عقارات في العاصمة المصرية الجديدة، والتي تعد “جوهرة التاج لمشاريع السيسي العملاقة”، بالإضافة إلى ذراعه للضيافة (Icon)، التي تمتلك العديد من الفنادق الفاخرة في القاهرة.

واستحوذت مجموعة طلعت مصطفى، الآن على سبعة فنادق تراثية في جميع أنحاء مصر، بما في ذلك مينا هاوس.

ويشمل ذلك معالم تاريخية أخرى، ومنها فنادق “سوفيتيل وينتر بالاس في الأقصر، والشلال القديم في أسوان، وشتيجنبرجر سيسيل على ساحل الإسكندرية”.

واحتفل رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بالبيع بقيمة 800 مليون دولار لمصطفى، الذي أشاد بعملية الاستحواذ لجلبها العملة الأجنبية.

وأضاف أن عملية البيع تم تمويلها من قبل “مستثمر استراتيجي دولي معروف”.

وبعد أسابيع، تم الكشف عن المشترين الغامضين وهم شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ)، وهي صندوق ثروة سيادي مقره في العاصمة الإماراتية إلى جانب شركتها التابعة شركة أبوظبي الوطنية للمعارض (مجموعة أدنيك)، المالكة لمركز إكسل في لندن، وفق “الغارديان”.
جهود “يائسة” لجمع الأموال

“لا يوجد محاذير على بيع أي قطعة أرض تاريخية أو حديثة في إطار الجهود اليائسة التي تبذلها الحكومة المصرية لجمع الأموال”، حسبما تشير “الغارديان”.

واستحوذ مستثمرون إماراتيون على عقارات وشركات مصرية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك بيع مبنى حكومي في ميدان التحرير بالقاهرة بقيمة 200 مليون دولار.

وبحسب ما ورد يجري تحالف إماراتي محادثات من أجل صفقة بقيمة 22 مليار دولار للاستحواذ على أرض “رأس الحكمة” بالساحل الشمالي لمصر، وهي صفقة ذكرت وكالة “بلومبرغ”، أنها تشمل مجموعة طلعت مصطفى أيضا.

وذكرت تقارير في وسائل إعلام مصرية أن رجال أعمال إماراتيين يشاركون في مشروع بمليارات الدولارات لتطوير الأراضي في شبه جزيرة رأس الحكمة على بعد 200 كيلومتر غربي الإسكندرية.

ويعد بيع مساحات شاسعة من الأراضي والفنادق التاريخية جزءا من جهود القاهرة للتعامل مع جبل الديون المتزايد.

وقد اتسم حكم السيسي بدور اقتصادي كبير للمقربين من نظامه، ولا سيما مصطفى، بينما يعاني مواطنوه وسط إجراءات التقشف القاسية وارتفاع التضخم.

وتعد مصر الآن ثاني أكبر مدينة لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وتجري حاليا محادثات لزيادة برنامج قروضها.

مع عدد سكان يبلغ 106 ملايين نسمة، فإن “مصر هي البلد العربي الأكبر ديموغرافيا والثالث في أفريقيا بعد نيجيريا وإثيوبيا”.

وتشير تقديرات إلى أن نحو 60 في المئة من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أو يقتربون منه، وفق وكالة “رويترز”.

ومصر في حاجة ماسة إلى النقد الأجنبي لسداد ديون أجنبية ثقيلة مستحقة هذا العام، ويضغط صندوق النقد الدولي على القاهرة لتبيع أصول مملوكة للدولة وتفسح المجال للقطاع الخاص وتسمح بتحريك سعر صرف الجنيه بصورة مرنة.

وفي يناير، زار فريق من الصندوق مصر للتفاوض على إحياء اتفاق قرض بقيمة ثلاثة مليارات وعلى احتمال توسيعه، كان قد تعثر بعد وقت قصير من توقيعه في ديسمبر 2022.

وتسببت تقارير عن مشروع رأس الحكمة وعن مشروع ثان على مقربة منه في ارتفاع سعر سهم شركة إعمار مصر للتنمية ومجموعة طلعت مصطفى.

وقال قلداس، المحلل في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: “من الواضح أن هذا بلد يبيع الأصول العامة تحت الإكراه”، مؤكدا أن “المالية المصرية في وضع غير مستدام على الإطلاق”.
قيمة “أكبر من المال”

لفندق مينا هاوس “إطلالة شاملة على الأهرامات”، وتم بناءه ليكون نزلا ملكيا للصيد قبل أن يتم تحويله إلى فندق في عام 1887.

ويمتلئ الفندق التاريخي بأجنحة فاخرة بما في ذلك الغرفة التي أقام فيها، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، خلال مؤتمر القاهرة عام 1943، ونسخة طبق الأصل عن غرفة نوم المغنية المصرية الشهيرة، أم كلثوم.

واستضاف الفندق التاريخي، محادثات سلام بين الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات، وممثلين عن إسرائيل في إحدى قاعاته.

وأكد لويس مونريال، المدير العام لصندوق الآغا خان للثقافة ومقره جنيف، والذي زار منذ فترة طويلة مينا هاوس، أنه يأمل أن يفهم الملاك الجدد أن الفنادق التاريخية في مصر لها قيمة تتجاوز القيمة المالية.

وقال: “إنهم جزء من تاريخ مصر، والسياحة التي ساهمت في اندماج مصر في العالم الأوسع”.

ورفض متحدث باسم مجموعة طلعت مصطفى التعليق لـ”الغارديان”، على مبيعات الفنادق، ولم يستجب المتحدثون باسم ADQ وAdnec لطلبات التعليق حول الصفقة، أو أهمية صناديق الثروة الإماراتية التي تختار الآن التعامل مع قطب العقارات المصري.

كما رفضت سلاسل فنادق سوفيتيل وستيجنبرجر التعليق.

وأكد متحدث باسم سلسلة فنادق ماريوت التي تدير مينا هاوس أن كل شيء يسير كالمعتاد، وقال: “الصفقة لا تؤثر على الأعمال اليومية أو موظفينا”.

ومن جانبه، أشار قلدس إلى أن “بيع الفنادق سيؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية في جهود الدولة لجمع الأموال، حيث أن العملات الأجنبية التي تحتاجها الفنادق بشدة والتي تجلبها الفنادق سوف تتدفق الآن إلى أماكن أخرى”.

وقال: “هذا لن يؤدي إلى استقرار الاقتصاد، بل إنه يؤدي فقط إلى تأجيل الأمور، مصر مدينة بمبلغ 30 مليار دولار في العام المقبل”.

وتكافح مصر مع تراجع قدرتها على سداد مستحقات المستثمرين الأجانب جراء ضغوط تشهدها جميع مصادرها الرئيسية للعملة الأجنبية وهي صادرات الغاز الطبيعي وإيرادات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وحاليا إيرادات قناة السويس، وفق وكالة “رويترز”.

وتراجعت صادرات الغاز الطبيعي ملياري دولار على أساس سنوي في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لبيانات البنك المركزي وذلك نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي وانخفاض الأسعار العالمية.

وبلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي في السنة المالية 2022-2023 زهاء 7.20 مليار دولار.

وتباطأت، بسبب الحرب في غزة، السياحة التي حققت رقما قياسيا بلغ 13.63 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.

وحاليا، يتردد مصريون بالخارج في إرسال مدخراتهم المالية إلى بلادهم عندما يكون سعر العملة منخفضا بفارق كبير عن قيمتها في السوق السوداء وذلك مع استشراء التضخم.

وهوت تحويلات العاملين بالخارج بما قيمته 9.85 مليار دولار في السنة المالية التي انتهت في 30 يونيو، ثم انخفضت 1.93 مليار دولار أخرى في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وفقا لأرقام البنك المركزي.

ودفع نقص العملة الصعبة في البلاد بنك “جي بي مورغان” إلى استبعاد مصر من بعض مؤشراته.

كما خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، مشيرة إلى مخاوف بشأن التمويل الخارجي والفارق بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق الموازي.

الحرة

Exit mobile version