الشرطة السودانية قارب النجاة في مجتمع مضطرب!

لا يشكك أحد في الدنيا بأهمية جهاز الشرطة وتأثيره الإيجابي اقتصادياً واجتماعياً وأسرياً، فدوره أكثر من مجرد مؤسسة سيادية تحسب للاستدلال على قوة ومتانة دولة. إذ إنه خلف كل شرطي حكاية لبلد آمن من المهددات المجتمعية، أو مجرد وظيفة لإنسان يبذل قصارى جهده لإعالة أسرته وضمان لقمة العيش لها، فهو كيان يسعى ليلاً نهاراً من أجل حفظ الأمن الداخلي وسداد تكاليف أن ينام المواطن آمناً في بيته.

وفي هذا الضوء، لا بد من التنويه بأن جهاز الشرطة لم يستثن من عملية الهدم التي استهدفت كيان الدولة السودانية إبان السنوات العجاف، وهنا لا بد من الإشارة إلى الحملات الإعلامية التي كانت تسعى لضرب هيبة (البوليس) حتى تنتشر الجريمة وتعم الفوضى، للأسف ساهم في ذلك قيادات داخل المؤسسة، وأعني تحديداً الوزيرين “عنان” الذي أجاد دور مخلب القط لقائد المليشيا وعبره تم اختراق المؤسسة وتدميرها عبر التخلص من الضباط المهنيين الأكفاء و “عز الدين الشيخ” الذي كان أداة في يد لجنة “صلاح مناع” المسماة زوراً بلجنة إزالة التمكين، ومحاربة الفساد .

ولكن بسرعة فائقة، استطاع جهاز الشرطة استعادة موقعه المهم في صدارة العمل الجماعي بمعركة الكرامة، حيث يشارك (١٤) ألف من منسوبيها في دحر التمرد من الخطوط الأمامية ، وتمكن الجنود المجهولون من استعادة بيانات المواطن التي فقدت نتيجة تدمير منشآت الشرطة واحتلالها.

بما أن السودانيين قد قرروا أن تكون صفحة ١٥/ أبريل، آخر صفحة في كتاب المآسي السودانية، وآخر فصل في الأوضاع المختلة بالدولة ومؤسساتها، لذلك من المثير للقلق ألا تمنح مؤسسة الشرطة كل الصلاحيات و الإمكانيات المادية لتقوم بدورها الطليعي فهي تتكئ على أساس متين، ولا تواجه أزمة في إيجاد الكفاءات التي تحتاج إليها من أجل استمراريتها، رغم ضعف الإمكانيات و الإهمال فإن الشرطة السودانية الآن تقوم بمجهودات جبارة في القبض على المجرمين الفارين من السجون، واستعادة ممتلكات المواطنين التي نهبتها عناصر مليشيا الدعم السريع أثناء العمليات العسكرية.

وعند تحليل هذه التطورات التي شهدتها مؤسسة الشرطة بموضوعية، نرى أن هناك عوامل عدة ساهمت في رسم هذا التوجه، منها الرؤية الجديدة التي تبني عليها قيادتها الحالية خطط العمل، والصحيح في هذا كله أن هذه المؤسسة ربما حصلت ولأول مرة منذ العام ٢٠١٩م بقيادة مناسبة، تعلم جيداً ما هو المطلوب منها للقيام بدور وطني يساهم في حماية الأمن الداخلي من محاولات التخريب، يحصل هذا كله من دون أي التفات إلى استحالة العمل في بيئة غير جاذبة، من ضعف الرواتب، واستهداف ممنهج قد أودى بالروح المعنوية لمنسوبيها.
السودان الآن في حالة حرب، وعقل العسكر يقول: “لا صوت يعلو فوق صوت البندقية”، وان تحرير البلاد من العصابات المسلحة هو الهدف الأسمى، ولكن يجب التمعن في جانب آخر، وهو العواصف التي تدور حول المجتمع السوداني، وبعضها يضرب الأمن المجتمعي، ويصيبه في مقتل، واعني هنا تحديداً انخراط مواطنين مدنيين في الحرب عبر أنشطة استخباراتية لصالح التمرد، هؤلاء أشد خطراً من عنصر يحمل بندقية يقاتل بها الدولة.

في تقديري جهاز الشرطة عبر وحداته المتخصصة (المباحث والشرطة الأمنية) لما لها من خبرة تراكمية وشبكة مصادر وسط المواطنين هم المصدات الطبيعية لتلك العواصف التي تضرب المجتمع السوداني وتزيد عمق واتساع النتائج، وترفع حجم التحديات أمام بلد ما زال منذ أكثر من ثلاثين عاماً يعيش حروباً وصراعات متعددة.

يجب أن يوكل ملف مطاردة المتعاونين مع التمرد من المواطنين، والقبض عليهم وتنفيذ القانون في مواجهتهم لجهاز الشرطة، اذا رغبت الدولة في حسم جانب مهم من المعركة وهو النشاط المدني في الحرب، عليها أن تترك هذه المهمة ل (البوليس) وتوفير كل الإمكانيات المادية لتنفيذ هذه المهمة الوطنية العظيمة.
محبتي واحترامي

رشان أوشي

Exit mobile version