يستأهلون العقوبة المغلظة

اطلعت على مشروع قانون المرور في دولة الكويت، وقد اشتمل على عقوبات مغلظة، منها إيقاع غرامة (75) دينارًا أي أكثر من تسعمائة ريال سعودي على من يترك الأطفال والحيوانات الأليفة تطل برأسها من السيارة، والغرامة من 100 إلى 200 دينار لمن يضع طفلا دون العاشرة في المقاعد الأمامية. أما عقوبة قطع الإشارة الحمراء فهي الحبس ثلاثة أشهر والغرامة بين 200 وخمسمائة دينار.

أتذكر أن نظم المرور وإجراءاته في الدول الخليجية كانت بسيطة. ولي موقف حصل معي قبل أكثر من أربعين عاما عندما التحقت بالعمل في دولة عربية، وكان من مقتضيات العمل أن أنتقل بالسيارة، وتوجَّب على سائق من المواطنين نقلي بالسيارة الحكومية، فانتحى الرجل بي جانبًا وقال: ليش ما تشتري سيارة؟ قلت له: لم أتسلم الراتب، قال: أنا أشتريها لك، وأنت تعطيني المبلغ لما يتيسر أمرك، قلت له: ولكني لا أملك رخصة قيادة، قال: ما عليك يا شيخ ما حد يسألك من رخصة سير ولا ملكية ولا قيادة… كنت ألح عليه لكي يتركني، وهو يريد أن يتخلص مني ومن مشاويري. قلت له: ما بعرف سياقة، وظننت أن هذا العذر سيجعله يتراجع، فإذا به يرد بحماسة: أنا أعلمك السياقة… ما عليك. أتاني الرجل بالسيارة، ودخلت الشارع وسقت سنتين؛ لا رخصة ولا استمارة ولا يحزنون.

كان ذلك من طيش الشباب، ولو عرض لي الأمر في هذا العمر، لتصرفت بطريقة أفضل بلا شك، وليغفر لنا الله سوء أعمالنا.

لكن هذا الطيش وعدم وجود النظم والعقوبات الرادعة، نتجت عنه الكثير من حوادث السير المأساوية.

يحكي لي جراح سوداني عمل في دولة خليجية، قابلته عندما أتاني في مجلس الصحافة والمطبوعات يفسح كتابًا عن ضحايا حوادث السير، قال: كنت أعمل في طوارئ أحد المستشفيات، فجاءني زميل موظف بالمستشفى، وذكر لي: يموت بحوادث السير من زملائنا بالمستشفي كل سنة أربعة أشخاص، والعام قد أوشك على الانتهاء ولم يمت سوى ثلاثة حتى الآن. وخرج الرجل، وبعد حوالي نصف ساعة استدعوني للطوارئ بسبب وصول حالة عاجلة لشخص توفي في حادث سير. ولما ذهبت وكشفت الغطاء عن وجهه تفاجأت أنه الرجل الذي حدثني قبل دقائق عن الموت بحوادث الطرق.

تغليظ العقوبة وتطبيق الإجراءات الصارمة على المتساهلين هو السبيل الأمثل للحد من الحوادث المميتة وللحفاظ على سلامة الناس وحياتهم.

وأختم بهذه القصة من التراث: في (شذرات الذهب) لابن العماد الحنبلي في سنة (667) أمر السلطان (الظاهر بيبرس) بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطئ بالديار المصرية، وكتب بذلك إلى جميع بلاده، وأمسك كاتباً يقال له: ابن الكازروني وهو سكران، فصلبه، وفي عنقه جرة الخمر! فقال الحكيم ابن دانيال:
لقد كانَ حَدُّ السكر من قبل صَلْبه
خفيفَ الأذى إذا كانَ في شَرْعنا جلدا
فلمّا بَدا المصلوبُ قُلتُ لصاحبي
ألا تُبْ فإنَّ الحدَّ قد جاوز الحدّا…
عثمان أبوزيد

Exit mobile version