مابين فرحة غامرة بالعودة إلى أرض الوطن، وبين دمعة حائرة بوداع أرض المحروسة وأهلها وشوارعها والحياة العامرة فيها، ودع مئات السودانين القاهرة اليوم “الإثنين” بعد أكثر من عامين هي زمن الحرب في السودان.
شكراً مصر
وشهدت محطة قطارات رمسيس بالعاصمة المصرية تواجد 1000 عائد سوداني، خصصت لهم وزارة النقل المصرية قطاراً ينقلهم إلى أسوان، بتنسيق كامل مع الجهات المختصة، لتسهيل عودة السودانيين طواعية إلى بلادهم، بعدما تم تحرير ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، وتحقيق الاستقرار بشكل يسمح بهذه العودة.
حمل السودانيون أمتعتهم ولسان حالهم لا يتوقف عن قول “شكراً مصر”، رددوها بالقول ورفعوها لافتات وكتبوها على ملابسهم وحقائبهم، وودعتهم مصر بكل الحب كما استقبلتهم بكل الترحاب، متمنية لهم دوام استقرار السودان واستقرارهم فيه، والعودة إلى مصر زائرين وسائحين بعد انتهاء الحرب اللعينة والقضاء على المليشيا المجرمة.
مبادرة مجانية
وتعد هذه الرحلة هي الأولى بالقطار، في إطار المرحلة الثانية من خطة العودة، التي تنفذها منظومة الصناعات الدفاعية السودانية بالتنسيق الكامل مع السلطات المصرية، وانطلقت هذه الرحلة التاريخية ضمن مبادرة مجانية بالكامل، حيث تتحمل منظومة الصناعات الدفاعية السودانية جميع التكاليف المرتبطة بالرحلة، بما في ذلك التنقلات الداخلية والوجبات وتذاكر القطار، في تعاون مباشر مع الهيئة القومية لسكك حديد مصر، التي وفرت قطاراً خاصاً لنقل العائدين حتى مدينة أسوان، ومنها يتم استكمال الرحلة بالحافلات حتى مدينة وادي حلفا، ثم العاصمة الخرطوم.
تنسيق مشترك
وأكدت وزارة النقل المصرية أن هذا التنسيق يأتى في إطار التعاون المشترك والعلاقات الأخوية الوثيقة بين مصر والسودان، وقالت إنه فى إطار تنفيذ السكة الحديد لكافة الاجراءات التي تساهم في تيسير العودة الطوعية للأخوة السودانيين إلى السودان، تقرر تشغيل قطار مخصوص 1940 (ثالثة مكيفة) من القاهرة إلى أسوان اليوم، حيث تحرك من محطة القاهرة الساعة 11:00 ويصل أسوان الساعة 23:00 طبقاً للجدول الذي تمّ الإعلان عنه.
دور إنساني
وذكرت هيئة سكك حديد مصر في بيان لها أن ذلك في إطار الدور الإنساني والمجتمعي الذي تقوم به الدولة المصرية ممثلة فى وزارة النقل والهيئة القومية لسكك حديد مصر، مضيفة أن الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل كلف رئيس وقيادات هيئة السكة الحديد بتقديم كافة الخدمات اللازمة لراحة الأخوة السودانيين حتى وصولهم بسلامة الله إلى ميناء السد العالى النهري، وتمنت الهيئة القومية لسكك حديد مصر للعائدين رحلة آمنة، وعودة كريمة إلى وطنهم.
أكثر أماناً
من جهتها أكدت أميمة عبد الله، رئيس لجنة العودة الطوعية في منظومة الصناعات الدفاعية أن المبادرة دخلت مرحلة نوعية جديدة مع بداية استخدام القطارات كوسيلة نقل أكثر أماناً وراحة، وقالت أميمة لـ “المحقق” أن المرحلة الثانية بدأت بانطلاق أول قطار يقل 1000 راكب، وستتواصل الرحلات أسبوعياً كل يوم إثنين من القاهرة، مضيفة أن منظومة الصناعات الدفاعية السودانية تتكفل بكامل تكلفة الرحلة، ونحن نقدم هذه الخدمة بشكل مجاني تماماً، دون تحميل أي أعباء على العائدين، وتابعت تمكنا منذ انطلاق المشروع من إعادة أكثر من 10 آلاف ومئة سوداني، ونعمل جاهدين على مواصلة هذه المهمة الإنسانية حتى عودة جميع الراغبين، وتوجهت أميمة بالشكر والتقدير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولوزير النقل المصري الفريق كامل الوزير، على دعمهما الكبير للشعب السوداني في ظل هذه الظروف الصعبة، مؤكدة أن الشعب المصري احتضن السودانيين كأشقائهم، ولم يشعروا بالغربة طيلة فترة إقامتهم في مصر.
التسجيل المسبق
وأوضحت رئيس لجنة العودة الطوعية أن الرحلات مستمرة بشكل دوري كل أسبوع، مؤكدة أن هناك تنسيقاً مستمراً لضمان التنظيم وسلاسة العملية. وقالت نقوم بتسجيل بيانات الراغبين في العودة عبر رقم تم تخصيصه على تطبيق واتساب، ونؤكد أن هذه الخدمة مجانية بالكامل.
وأضافت أن القطار يسع 1000 شخص، ولذلك نعتمد نظام التسجيل المسبق لضمان الترتيب والعدالة في إتاحة الفرص، وحذرت أميمة عبد الله من وجود محاولات استغلال من بعض الأشخاص الذين يسعون لتحقيق مكاسب شخصية من هذه المبادرة، مؤكدة أن اللجنة لا تتعامل إلا عبر الرقم المعلن، وتتحقق بدقة من كافة البيانات لضمان وصول الدعم لمستحقيه.
نودع بلادنا
وردد أحمد، العائد إلى منطقة “الكلاكلة” عبارة “شكراً مصر” كثيرا، وقال أحمد الذي يناهز الثلاثين من عمره لـ “المحقق” نعود إلى بلادنا اليوم ونشعر أننا نودع بلادنا أيضا، مضيفا أن مصر كانت ملجأ آمنا لنا طيلة فترة الحرب، احتضنتنا واستقبلتنا بكل ترحاب، وتابع أن السودان بعد تحرير الخرطوم والجزيرة يحتاج إلى سواعدنا في إعادة إعمار مادمرته الحرب، مؤكدا أن السودانيين عليهم مسؤولية كبيرة في إعادة إعمار بلادهم، وقال لا يمكن أن نظل خارج بلادنا وهي تحتاجنا في هذا التوقيت الحرج، مضيفا نعلم أن هناك تحديات وصعوبات سوف تواجهنا ولكننا سنتحمل من أجل بناء بلادنا من جديد.
اشتقت لحياتي
أما إشراقة التي تحمل رضيعها، فقد غلبتها دموعها عندما اقتربنا منها وسألناها عن شعورها بالعودة للسودان، وقالت لا أستطيع أن أصف شعوري وأنا عائدة للخرطوم ولحياتي التي اشتقت إليها كثيرا، وأضافت إشراقة لـ “المحقق” أعلم أنني سأعاني في الفترة الأولى، فمازالت الكهرباء والمياة لم تعد بالشكل الكامل، لكنني سأتحمل كل المصاعب، ورغم الحياة المريحة والسهلة في مصر إلا أننا شعب لا يستطيع الحياة بعيدا عن السودان، وشكرت الشعب المصري على الضيافة والمعاملة الطيبة، وقالت نعود بذكريات لا تنسى مع أصدقائنا المصريين وسوف نعود إليهم في زيارات قادمة، وبعد استقرار الأوضاع سندعوهم لزيارتنا في السودان.
القاهرة- المحقق- صباح موسى

