نتائجها أثارت ردود فعل واسعة واصداؤها مازالت تتردد…
البرهان والسيسي .. قمة «الخطوط الحمراء»..!
القاهرة أظهرت موقفًا صارما ببيان قوي صادر من الرئاسة المصرية..
وفد البرهان ضم ذات الوجوه التي رافقته في رحلته للرياض..
مصر أكدت دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب..
البيان المصري راهن على ثلاث مستويات متداخلة في التعامل مع الأزمة السودانية..
القاهرة تسعى لتثبيت إطار دولي واحد يجمع الأطراف دون تصعيد..
تقرير : محمد جمال قندول- الكرامة
لا زال صدى زيارة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لأرض الكنانة أمس الأول ممتدا، في ظل الحديث عن ثمّة تحولات كبيرة بدأت تترى حول ملف السودان والدول المنخرطة في جهود لإحلال السلام وفي مقدمتها القاهرة التي أبرزت موقفًا صارما عبر بيان قوي صادر من الرئاسة المصرية.
حوض النيل
وكان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قد زار مصر الخميس الماضي لساعات أجرى خلالها مباحثات ثنائية مع نظيره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وفد رئيس مجلس السيادة ضم ذات الوجوه التي رافقته في رحلته للرياض قبيل أيام قليلة ومنهم مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ووكيل وزارة الخارجية السفير معاوية عثمان خالد.
وبحسب مجلس السيادة فإن لقاء الرئيسين استعرض القضايا الإقليمية والدولية وطافت على الأوضاع في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي.
خلال اللقاء جرى التأكيد على رؤى البلدين بشأن الأولويات المرتبطة بالأمن القومي وحرصهما على مواصلة التنسيق لحماية الأمن المائي ورفض الإجراءات الأحادية بحوض النيل الأزرق.
وناقش البرهان والسيسي بقصر الاتحادية العلاقات وسبل تطويرها، فضلا عن مستجدات الوضع في السودان والجهود الجارية لإحلال السلام.
القاهرة جددت خلال المشاورات موقفها الثابت الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره.
وشكر رئيس مجلس السيادة مصر على استضافتها ورعايتها للسودانيين المقيمين بها وتقديم المساعدات لهم.
وحظي رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان باستقبال فخيم من الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي.
وحدة السودان
وفي بيان رسمي صدر عقب زيارة رئيس مجلس السيادة جددت مصر العربية تأكيدها على دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، وذلك في إطار توجه الرئيس ترامب لإحلال السلام وتجنب التصعيد وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم.
وأعربت مصر عن قلقها البالغ جراء استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر.
وأكدت القاهرة في بيانها بأن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها باعتبار أن ذلك يمس مباشرة الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرا بالأمن القومي السوداني.
مصر أكدت بأن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني هي أحد أهم هذه الخطوط الحمراء، بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان، كما جددت رفضها القاطع لإنشاء أية كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.
كما شددت الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بهذه المؤسسات هو خط أحمر آخر لمصر وأن لها حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها.
مصر أعربت عن حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار الرباعية الدولية بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية.
مسار التفاوض
ويقول الخبير والمحلل السياسي والكاتب الصحفي إبراهيم شقلاوي بأن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة جاءت بعد يومين فقط من زيارته للرياض، في مؤشر على محاولة الخرطوم إدارة مسارات متعددة ومتوازية للوصول إلى توازنات تمكن من تحقيق السلام.
شقلاوي ذكر بأن بيان القاهرة، عقب الزيارة والذي صدر مبكرا من الرئاسة المصرية أكد على تثبيت خطوط حمراء واضحة تشمل وحدة السودان وسلامة أراضيه، حماية مؤسسات الدولة، ورفض أي كيانات موازية، مع إشارة إلى اتفاقية الدفاع المشترك كأداة ردع، وذكر الرباعية الدولية كإطار للتوصل إلى هدنة إنسانية وحماية المدنيين.
وأضاف شقلاوي بأن البيان أكد أن مصر تراهن على ثلاث مستويات متداخلة في التعامل مع الأزمة السودانية: المرجعية الدولية، الخطوط الحمراء الاستراتيجية، والمسار الإنساني المباشر مع الإشارة المهمة في البداية إلى دعم رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توضح أن القاهرة تسعى لتثبيت إطار دولي واحد يمكن أن يجمع الأطراف دون تصعيد، وهو امتداد مباشر للمبادرة السعودية التي رحب بها السودان، وهذا يبرز رغبة مصر في أن تكون ضمن أي تسوية قادمة لحماية مصالحها ومصالح السودان.
وأضاف إبراهيم بأن الإدانة الواضحة لاستمرار التصعيد والانتهاكات في الفاشر تعكس أن القاهرة ترى الوضع الأمني في السودان لم يعد مجرد قضية داخلية، بل يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، ما يجعل تدخلها السياسي أو التحذيري ضروريًا لإدارة الأزمة قبل أن تتجاوز حدودها.
وبحسب محدّثي فإن هذا التوقيت يضع زيارة البرهان في سياق إرسال رسالة سياسية مزدوجة: دعم الدولة السودانية من جهة، وتحذير من تفكيك مؤسساتها أو الإضرار بوحدة أراضيها من جهة أخرى مع الإشارة إلى أن الخطوط الحمراء التي رسمها البيان تشمل وحدة السودان وسلامة أراضيه، وحماية مؤسسات الدولة، ورفض أي كيانات موازية، مع استدعاء اتفاقية الدفاع المشترك كأداة رسمية لضمان عدم تجاوز هذه الحدود.
وزاد: هذه النقاط ترسم إطارًا استراتيجيًا يحصر أي تحرك داخلي أو خارجي ضمن قواعد لا يمكن خرقها دون مواجهة مباشرة مع القاهرة، ما يعكس رؤية مصرية تقوم على حماية مصالحها الأمنية عبر ربطه بالاستقرار في السودان.
ويواصل شقلاوي في معرض الطرح ويرى أن اتفاقية الدفاع المشترك التي تضمنها بيان القاهرة هي خطوة جاءت متأخرة كمرحلة كانت متوقعة في أوقات سابقة، إذ سبقها سقوط مناطق واسعة من دارفور وبعض أجزاء كردفان في يد ميليشيات الدعم السريع، ما يجعل الحديث عنها وعن حماية مؤسسات الدولة والسيادة يبدو في جزء منه رسالة سياسية رمزية أكثر من كونها آلية تنفيذية فورية.
بالمقابل، الرباعية الدولية، التي ذكرها البيان في سياق العمل على هدنة، تبدو وكأن القاهرة وضعتها مقابل الدفاع المشترك، أي كأداة لضبط مسار التفاوض الدولي مقابل الوعود الدفاعية، لتأكيد قدرة الدولة على إدارة الأزمة ضمن شبكة إقليمية ودولية، والحفاظ على سيادتها رغم رفض السودان المعلن للرباعية ومسارها الذي أعلنته ضمن خارطة الطريق، وذلك لأسباب متعددة أهمها وجود الإمارات ضمن الرباعية بعد أن ثبت ضلوعها في دعم ميليشيا الدعم السريع، ذلك لا يجعلها طرف محايد.
ويذهب د. إبراهيم إلى أن الإشارة للرباعية له علاقة بالوضع المعقد الذي تعانيه الحكومة المصرية فيما يتعلق بتوازنات المنطقة ومصالحها الاستراتيجية في أمن السودان. لذلك الرباعية، وفق البيان، تصبح أداة لإدارة الأزمة الإنسانية، مع تحديد ممرات آمنة وهدنة محتملة، مع إبقاء دور الدولة السودانية مؤثرًا ومرجعًا رئيسًا في أي ترتيبات لاحقة.
هذا يوضح استراتيجية مصر في تحويل أي إطار دولي محتمل إلى وسيلة ضبط سياسي، وليس منصة للضغط الأحادي على الخرطوم.
واختتم الكاتب الصحفي والمحلل السياسي إبراهيم شقلاوي إفادته بالقول إن ما صدر عن مصر يحوي رسائل متعددة: التمسك بخطوط حمراء واضحة، حماية الدولة ومؤسساتها، الربط بين الاستقرار السوداني والأمن القومي المصري، وإبقاء أي مسار دولي – سواء عبر الرباعية أو مساعي واشنطن – ضمن سقف شرعي ومؤسسي قابل للتفاوض وليس للتجاوز. في كل ذلك تظل المرجعية للداخل السوداني بعيداً عن التوازنات الإقليمية والدولية.
تقرير : محمد جمال قندول- الكرامة
