تحرك صيني ومصري لمواجهة إسرائيل بالصومال

دخلت منطقة القرن الأفريقي منعطفاً استراتيجياً شديد الخطورة، عقب الكشف عن مساعٍ إسرائيلية حثيثة لبناء قواعد عسكرية في الإقليم المعروف بـ “أرض الصومال”. تجاوز هذا التحرك أبعاد الاعتراف الدبلوماسي، وأثار عاصفة من الرفض الدولي، تصدرته تحذيرات عربية وصينية من مغبة العبث بوحدة الأراضي الصومالية، وسط مؤشرات على تحول المنطقة إلى ساحة تصفية حسابات كبرى بين القوى الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، أكد السفير ماجد عبد الفتاح، رئيس بعثة جامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة، أن إسرائيل لا تكتفي بالدعم السياسي، بل تسعى فعلياً إلى بناء قواعد عسكرية في ما يسمى بـ “أرض الصومال”.
وأوضح في تصريحات لفضائية “القاهرة الإخبارية”، الثلاثاء، أن هناك رفضاً دولياً واسعاً لخطوة الاعتراف الإسرائيلي بهذا الإقليم، مشدداً على أن القانون الدولي يكفل لدولة الصومال الحق الكامل في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها ضد أية محاولات للتقسيم.
لم يتأخر الرد الصيني على هذه التحركات، حيث أعربت وزارة الخارجية الصينية عن معارضتها الشديدة لقرار الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بـ “أرض الصومال” كدولة مستقلة. رفضت بكين بشدة إقامة علاقات دبلوماسية بين تل أبيب والإقليم الانفصالي، مؤكدة أن هذه الخطوة تضرب ميثاق الأمم المتحدة في مقتل.
وقال “لين جيان”، المتحدث باسم الخارجية الصينية، في مؤتمر صحافي، مساء الاثنين، إن الحكومة الصومالية رفضت الخطوة بشكل قاطع، وهو الموقف الذي نال تأييداً دولياً واسعاً من منظمات إقليمية كبرى، شملت الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد”.
شدد جيان على أن إقليم “أرض الصومال” جزء لا يتجزأ من الأراضي الصومالية، وأن القضية تظل شأناً داخلياً صرفاً.
من جانبه، حذر “سون لي”، نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، من أن الاعتراف الإسرائيلي زاد من حدة التوترات في منطقة القرن الأفريقي، مؤكداً أن احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها ركيزة لا تتزعزع للقانون الدولي، وينبغي على جميع الدول الأعضاء الالتزام بها بصرامة.
في تحليل معمق لأبعاد هذا الصراع، كشفت الدكتورة نادية حلمي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بني سويف، في تصريحات خاصة لـ “العربية.نت” و”الحدث.نت”، أن الصين تدرك بمفاهيمها الاستخباراتية والعسكرية أن الاعتراف الإسرائيلي يستهدفها بالأساس.
وأوضحت أن إقليم “أرض الصومال” يتمتع بأطول سواحل في القارة الأفريقية، ما يجعله مفترق طرق بحرياً حيوياً لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وبالتالي فإن التواجد الإسرائيلي هناك يعد إضراراً مباشراً بالمصالح الاقتصادية لبكين.
وذكرت الدكتورة نادية أن الصين تعتبر تحالف “أرض الصومال” مع تايوان تهديداً لمبدأ “الصين الواحدة”، كاشفة أن بكين بدأت بالفعل في تفعيل “مراقبة فضائية” فوق الصومال لتعزيز قدراتها الاستخباراتية ومراقبة الأنشطة العسكرية الإسرائيلية.
وأضافت أن بكين تربط بين توقيت الاعتراف الإسرائيلي وحرب غزة ومخططات التهجير القسري للفلسطينيين، فضلاً عن سعي تل أبيب لتطوير نظام “تي – دوم” الدفاعي التايواني وربطه بالقبة الحديدية للتصدي للصين، وهو ما دفع بكين لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي وتقديم دعم تنموي وعسكري مباشر للحكومة الشرعية في مقديشو عبر مشاريع كبرى مثل إمدادات المياه ومستشفى بنادر وإستاد مقديشو.
من جهته، أفاد الدكتور أمجد شهاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، لـ “العربية.نت” و”الحدث.نت”، بأن رغبة إسرائيل في إقامة قواعد عسكرية في أرض الصومال حقيقية وتهدف لمواجهة الحوثيين من جهة، والتحكم في مسارات الملاحة العالمية من جهة أخرى.
أوضح شهاب أن هدف الاعتراف ليس فقط التمهيد لتوطين الفلسطينيين كما يروج البعض، بل فرض مراقبة استخباراتية ولوجيستية على السفن المحملة بالتجارة والنفط والسلاح المارة بمضيق باب المندب.
وأشار إلى أن إسرائيل أدركت أن أمنها القومي يبدأ من الممرات البحرية البعيدة، داعياً الصين والقوى الدولية لمواجهة هذا التمدد بأفعال ملموسة، مثل تسليح الجيش الصومالي ودعمه اقتصادياً لفرض سيادته.
وضعت هذه التحركات الأمن القومي المصري والعربي أمام اختبار استراتيجي جديد، وسط تحذيرات رسمية وقانونية من أن المساس بمدخل البحر الأحمر يُعد “خطاً أحمر” قد يدفع المنطقة نحو خيارات عسكرية لم تكن مطروحة من قبل.
من جانبه، أكد اللواء أركان حرب أسامة محمود كبير، المحاضر بكلية القادة والأركان بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، في تصريحات سابقة لـ “العربية.نت” و”الحدث.نت”، أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يسعى للحفاظ على حالة التوتر السياسي والعسكري لإنقاذ حكومته من التفكك.
واعتبر اللواء كبير أن اختراق إسرائيل للقانون الدولي واعترافها بـ “أرض الصومال” كدولة مستقلة يستهدف تحقيق ثلاثة أهداف جيواستراتيجية: أولها إنشاء قاعدة لتهديد ميليشيا الحوثي من مسافة قريبة، وثانيها ضرب المصالح التركية في الصومال، أما الهدف الثالث والأخطر فهو الضغط على مصر والتأثير المباشر على أمنها القومي عبر التحكم في حركة الملاحة بمدخل البحر الأحمر، مما ينعكس سلباً على إيرادات قناة السويس، فضلاً عن تقوية شوكة إثيوبيا في ملف سد النهضة بمكايدة القاهرة سياسياً.
وحذر المحلل العسكري من أن المسار قد يتغير إلى “شكل أكثر تأثيراً” إذا شرعت إسرائيل بالفعل في إنشاء هذه القاعدة، مؤكداً أن القاهرة تملك من الأدوات والترتيبات ما يمكنها من صون مقدراتها وحماية أمنها القومي.

العربية نت

Exit mobile version