دعواتكم !

[JUSTIFY]
دعواتكم !

حين ترى هذه الأسطر النور، أكون بإذن الواحد الأحد قد بلغت المضارب القصية، وحللت بمدينة تورنتو تلك البقعة التي لي فيها أشجان وذكريات وأسى ولي فيها ذرية خرجت عناقيد من شهوتي، لي فيها أصدقاء وبعض الشوارع التي أحببتها وكل الثلج الذي لوعني.
أقصدها هذه المرة مستشفيا فقد ألم بي منذ عامين مرض غامض، رغم أنني أكثر الناس وضوحا، فما من قلبي في لساني، ومافي لساني للناس، وأكثر ما أكره الغموض و(القتاقة) ولأن هذا المرض لا يعرف طباعي قررت أن أفتضح طباعه، وأفضه ليعلن عن نفسه، فالغموض أس الخبث.
لو كان في بلدي أجهزة تشخيص بمثل ما لكندا من تلك الأجهزة لبقيت هنا وأسقطت هذا المرض (من الداخل). إنها المرة الأولى في حياتي التي أستعين فيها بالخارج لكن وجه الرضى فيها أنها ليست قضية سياسية. إنها قضية جسد يسعى للحفاظ على وحدته في إطار تماسك كل أعضائه كي يتقوى ويتماسك ويظل جسدا ذا روح وطنية تتوقد بتعافيه.
وقبل أن أحل بكندا وأشرع في مقابلة الأطباء والفنيين الذين يجرون الفحوصات ويقفون على الأشعة المقطعية والرنين والمغناطيسي أعلن من هنا أنني أحب هذا السودان حبا لو من فوقه أظله، ولو من تحته أقله، حبا فتك بي، وأسلمني للآفاق السوامق، فصرت أبني في الفضاء بيتا كي يسكنه السودان!.
حين يكون الحب مرتبطا بالتراب يصبح ذلك الحب عشقا من الميئوس الشفاء منه لأن في التراب دقائق مخلوعة من عروش الطفولة.
التراب أصابع من قصب
تتحسس قلب الأناشيد فينا
تعذبنا ألف عام لنرحل
كي تقتفينا
أصابع تحفظ أرض الرياح
وصلصال أحلامنا
أصابع حين تشد على القوس
أوتشتهينا
سندرك سر الينابيع فينا
ونصرخ يا أرض كل الزواحف
يا أرض
يا أرض
هيا اذكرينا
حين ترى هذه الأسطر النور أكون قد ابتعدت عن هذا التراب مسافة ثمانية آلاف ميل ويكون فرق التوقيت ثماني ساعات لكن السودان هو الأبكر والمتقدم في الوقت مثل تقدمه في فؤادي.
أكون قد تركت التراب عشقى يتهيأ لاستقبال درجة حرارة تقارب الاربعين فيما تكون درجة الحرارة هناك تحت الصفر، سأشع هناك وأتدفأ بما اختزنته من شموس ولوافح، فالشمس أيضا تتخزن لتكون صالحة الحرارة ونافذة الاستدفاء.
من نعم الشمس علينا، أنها تجعلنا متمسكين بالسودان رغم حرارته، فكلما زاد حرا، كلما ازددنا حبا فواحر قلباه ممن قلبه شبم.
إذا مافض الخواجات سر العلة وأشاروا لي بالدواء. سأكتب بإذن الله من هناك. وسيكون القارىء على موعد معي، فالكتابة هي همزة الوصل الواعية بين العشق والصبابة.
أسألكم باسم المحبة التي طبعت صلتنا أن ترفعوا أيديكم للسماء، وتجعلوا قلوبكم مشدودة بنبضها نحو السماوات الرحيمة للدعاء لي، ففي دعواتكم البركة والاستجابة.
حين أعود بإذن الله صحيح البدن وموفور الامتلاء بكم وبكل عذابات بلادي سأفيض وأسيّل كل تلك الينابيع التي تملؤني وتسكن فيكم.
[/JUSTIFY]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني

Exit mobile version