عطلت المدارس والمكاتب وأعاقت الحركة :أمطار الصباح …الخرطوم لم ينجح أحد…!!

«الجو مدهب» عبارة المقصود منها المدح والغزل الصريح مأخوذه من «الذهب» ذلك المعدن النفيس ، استخدمها احد الاصدقاء عند صباح الامس عبر الهاتف يصف لى الاجواء التى سيطرت على الخرطوم طالبا منى الخروج والاستمتاع بزخات المطر ، فى يوم استثنائى يصعب تكراره ، فاهل الخرطوم لم يعهدوا مثل هذه الاجواء فى نهار رمضانى ، تعود الجميع ان يترقبوا السماء وحساب درجات الحرارة ، هذا الحديث جعلنى اغادر الفراش بكل حماس ولهفة من اجل الاستمتاع بيوم رمضانى..
النظرة الاولى
الثامنة والنصف صباحا مياه الامطار تحتل الشوارع وتنتشر فى كل بقعة من الارض ، حركة المواطنين قليلة للغاية ، والسماء لازالت تدمع كأنها امرأة ثكلى او ام مكلومة على فلذة كبدها ، اطواف من طلاب وطالبات المدارس يجاهدون للوصول الى قاعات الدرس ، لكن الامر سرعان ما انعكس لتصبح الرحلة عكسية الى المنازل بعد ان اعلنت لهم عطلة مفاجئة بسبب العوامل الطبيعية.. صورة اخرى لم تسقط كانت لابواب المنازل المشرعة وبداخلها شباب يشمرون السواعد لافراغ صحونها من المياه ، ويقذفون بها الى الشوارع ، عندها تساءلت عن مصير المياه المدلقة فالشارع ممتلئ حد التشبع فهو لم يجف بعد ان استقبل امطار امس الاول التى اجتاحت العاصمة .
تحركت من ام درمان قاصدا الخرطوم عبر بحري مرورا بمنزل الزعيم الازهرى ودار عبدالله خليل ومياه الامطار تحاصرها من كل جانب ، بحرى لم تكن احسن حالا من امدرمان فالشوارع تغمرها المياه وتعيق حركة المارة والمركبات ، عند العاشرة والنصف مررنا عبر شارع المك نمر بالخرطوم الصورة لم تتغير كثيرا مياه وسيارات متعطلة وحركة ثقيلة لان المياه تحتل الشوارع والطرق الرئيسية .
باب القيادة انسده
البوابة الرئيسية للقيادة العامة لقوات الشعب المسلحة ،والمؤدية الى قصر الضيافة ومنزل رئيس الجمهورية تغمرها مياه الامطار ، وكان السماء تريد ان ترسل اشاره وتهمس فى اذن رأس الدولة ان الخرطوم تحتاج الى عمل دؤوب وكبير في مجالات الصرف الصحى ومصارف المياه ، فالامطار التى لم تترك بابا الا واقامت امامه بؤرة مياه فى كل المناطق والحوارى بالعاصمة بكل امتداداتها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا بامبداتها وكلاكلاتها والسلمة والانقاذ والطائف والمعمورة والحلفايا ، تتحول غدا او بعده لبرك ومزارع ناموس تكلف خزانة الدولة الاموال بعد ان اعلنت وزارة الصحة مجانية علاج الملاريا ، ولعل المياه التى غمرت بوابة القيادة تكون صورة واضحة تبين ضعف العمل فى مجال درء الكوارث وتشييد مصارف مدروسة ومخططة بطرق صحيحة .
نفق عفراء غرق شديد
النفق المقام امام عفراء مول بالخرطوم ، كان مغلقا امام حركة المرور حتي الرابعة عصرا ، لا لشئ و لكن مياه الامطار غمرته تماما ، واستعانت الجهات المسؤولة بعربات شفط لسحب المياه من هناك ، فالجسر العلوى من النفق تجمع فيه عدد كبير من المواطنين يتابعون عملية سحب المياه ، الامر الذى ساعد على جذب اعداد اكبر فكل المارة من هناك يقومون بايقاف سياراتهم ليلقوا نظرة على المشهد ، بعدها تخرج عبارات مختلفة لكن جلها مابين السخرية على الحال واسي على المآل .
الأمطار تعلن العطلة
امس يوم عمل عادى ونهاية اسبوع ، لكن دواوين العمل كانت شبه معطلة فالموظفون لم يحضروا الى مكاتبهم الى نصف اليوم او بعد الحادية عشرة صباحا ، واخرون لم يغادروا المنازل ، لكنهم يملكون الاعذار الجاهزة فالطبيعة احيانا تصبح اكبر سبب للغياب فالشوارع والمواصلات متعطلة والمياه تحتل الطرق جميعها والحركة على الاسفلت تبدو منعدمة فى تلك الساعات من الصباح فالمركبات والسيارات تتهادى ويسيطر عليها رعب السقوط داخل حفرة او مطب غطته المياه .
تحية لرجال المرور
الشئ الوحيد الذى يلفت النظر هو وجود رجال المرور بكثافة على كل التقاطعات والطرق الرئيسية على الرغم من قلة المركبات لكنهم يقومون بترتيب الحركة والمساعدة على انسيابها ، يبدو ان الامر تحسبا لانقطاع التيار الكهربائى الذى يعطل الاشارات الضوئية ، ويربك الحركة ، فرجال المرور بالامس «اتبلبلوا» ، و«عاموا» فى بعض الاحيان لاخراج العربات التى تسقط وتتعطل .
شباب بري يقطعون الطريق
مظاهرة احتجاجية ولدتها ظروف الطبيعة بالامس موقعها امتداد ناصر ، هذا ما نقله الزميل انور التكينة ووثق له عبر الكاميرا ، بعد ان خرجوا وقاموا بوضع السراير على الطريق احتجاجا على دخول المياه الى فناء منازلهم ، بسبب حركة المركبات وعدم وجود المصارف لكن التظاهرة لم تفرقها شرطة النجدة ويبدو انها لم تسمع بها فالدنيا خريف .
الاطراف تستغيث
منطقة عد بابكر شرق النيل اعلنت عن اضرارها باكرا ، فهاتف «الصحافة» نقل انهيار اكثر من 45 منزلا بالكامل عند الساعة العاشرة صباحا قبل ان تتوقف السماء من افراغ مائها ، وقال المتحدث من ابناء المنطقة ان المياه الان اختلطت بالصرف الصحى واصبحوا متخوفين من حدوث كارثة بيئية ، بالمنطقة ونفوق البهائم هناك ، ذات الاضرار ألمت بحى الانقاذ والسلمة بالخرطوم جنوب ، وكذلك منطقة امبدة بامدرمان واطراف العاصمة المختلفة .
ليس كل مايلمع ذهباً
بعد كل هذا المشاهد التى مررت بها والاخرى التى نقلها لنا شهود عيان ، اصبحت ابحث عن الذهب الذى حدثنى عنه عبر الهاتف احد الاصدقاء واصفا به الجو لكنى تيقنت انه عندما حدثنى لم يخرج بعد من منزله لان كل من خرج يجد نفسه ساخطا ومتمنيا ان تنكشف السماء وتزول الغيوم، فليس كل مايلمع ذهبا ينطبق على يوم الامس ،على الرغم من جمال الاجواء لكن فواتيرها كانت باهظة الثمن ، فالخرطوم التى تحدث مسؤولوها عن استعدادات الخريف وقالوا انها اكتملت تماما همسنا لهم فى بداية يوليو عن بوادر رسوبهم فى الفصل الذى لم يتجاوزه احد حتى فى امتحان الملاحق والبدائل لكن « كلوا مع الصيام تمام « .
عباس محمد ابراهيم :الصحافة

Exit mobile version