الغالي ما رخصت غلاتو

[ALIGN=CENTER]الغالي ما رخصت غلاتو[/ALIGN] أخرجت (بدور) مرتبتين ومدتهما على سريري الحوش وشدت عليهما الملايات قبل أن تدخل لتحمل في حرص رضيعها الذي لم يكمل الشهرين بعد وترقده على احدهما، صلت المغرب ثم إضجعت تُرضع صغيرها وتراقب حركة باب الشارع مراقبة المشوق المستهام إنتظارا لعودة زوجها من السوق، فقد طالت غيبتها عنه وعن بيتها الصغير حيث فارقته قرابة الشهرين لقضاء (أيام النفاس) في بيت أسرتها وعادت لبيتها بالأمس فقط ..
لم يدم إنتظارها طويلا فقد فُتح الباب ودخل منه (الغالي)، حاولت الإعتدال في رقدتها وأسندت رأسها بباطن كفها ثم رفعت وجهها ورنت إليه في شوق وقالت:
كيف قيّلت يا الغالي؟ .. أريتك طيب.
أجابها بإختصار:
طيب!
جفاء الرد دعاها للنظر في عينيه بإستغراب ، سألته:
خير؟ .. مالك شكلك متغير؟
أجاب بإختصار مرة أخرى:
مافي عوجة!ّ
ظل واقفا بجوار رأسها دون أن يجلس أو يقول شيئا، فإنتابها القلق الشديد وتخلصت من فم الصغير الملح على الرضاعة وإعتدلت جالسة في توجس، سألته:
الليلة إنت ما براك مالك؟ واقف جنب رأسي .. لاك داير تقعد ولا دايرتخش تغير هدومك .. نعل ما مات زول من أهلي؟
زفر في ضيق:
مافي زول مات لكن قومي خلي الجنا ده في محلاتو وأدخلي ألبسي ليك توب بسراع!
لاذ بالصمت ولم يهتم بالرد على تساؤلاتها وحيرتها، فدخلت تلبس ثوبها بيدين مرتعشتين وقد بدأت دموعها في السيلان على خديها الناعمين كمرآة مصقولة .. خرجت من الغرفة ترتجف فأشار لها لتحمل الصغير قائلا:
شيلي جناك.
ثم تقدمها وفتح الباب وخرج .. تبعته كالمنومة مغنطيسيا دون أن تقوى على قول كلمة من غرابة الموقف ومن ملامح الذهول والسرحان في عيني (الغالي) .. سار أمامها على الطريق المؤدي لبيت أهلها وتبعته في صمت بينما تناوشت رأسها الافكار السوداء عن المكروه الذي ألم بأسرتها كما ظنت.
تنحى جانبا بعد أن طرق على الباب ليدعها تدخل أمامه عندما فتحه والدها والذي حياهما في حيرة وإستغراب، لم يرد عليه السلام بل إلتفت إليها قائلا:
أدخلي.
إنتظرها حتى غابت خلف (حيطة النص) التي تفصل بيت الرجال عن منطقة النسوان ثم إلتفت مرة أخرى لنسيبه الحاج وقال:
بتك أنا عفيت منّها!
ثم إنطلق دون أن يضيف كلمة.
نزل قوله كالصاعقة على رأس حاج (الصديق) فأسرع بالدخول على إبنته التي كانت تحاول أن تشرح لهم سبب عودتها بتلك السرعة، وهي لم تغادرهم طوال شهري نفاسها إلا صباح اليوم حين انتقلت لبيت زوجها .. سألها والدها في إشفاق:
خبارك يا بدور يا بتي مع راجك؟ .. نعل ما إتلومتي معاه في شئ؟
نفت بشدة: أبدا والله يا أبوي ما حصل بينا شئ.
تدخلت حاجة (سعدية): هو شن قالك؟
قال الحاج في غضب:
شن بيقول .. قولو خايب .. خيب الله رجاه .. طلّق بتك الما عندو أصل.
مع شهقة الحاجة سقطت (بدور) مغميا عليها بين يدي أخواتها المصدومات .. سرى خبر طلاق (بدور) بت حاج (الصديق) وتناقلته الألسن ما بين مشفق وشامت فقد كانت (بدور) نوارة وزينة بنات القرية وكم أدمت من قلوب شبابها، عندما وافقت في العام الماضي على الزواج من (الغالي) التاجر الغني والذي كان متزوجا من إحدى قريباته وله منها إثنين من البنين قبل أن يفترق عنها بالطلاق نتيجة الخلافات التي إستعصت على أهل الجودية .. ولكن بعد زواجه من جديد سعت طليقته للرجوع وساقت إليه الوساطات لكنه أغلق أذنيه عنها وأكتفى بزوجته الجديدة (بدور) بت الحسب والنسب وجميلة جميلات القرية.
لم تدم حيرة القرية كثيرا عن السبب في طلاق (بدور) .. تهامس الناس عن رؤيتهم عدة مرات لطليقة الغالي وهي تخرج من بيت (فكي عيسى) في أطراف القرية .. وجزمت بعض النسوة بأنها وعدته بأوقية ذهب إن تمكن من التفريق بين (بدور) و(الغالي) بعد إنتهاء نفاسها وعودتها لبيتها .. وصل الخبر لآذان (بدور) وأهلها ولكنهم لاذوا بقوله تعالى: ﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ صدق الله العظيم.
وقد كان، فقبل مرور الشهر انكشفت غمة (الغالي) وعاد يطرق باب (بدور) نادما .. جلس على الأرض أمام قدميها باكيا:
أريتني كان متّا قبال ما أجرح خاطرك الغالي يا غالية .. أنا ما كنتا واعي بي نفسي وكت سويت العملتو ده .. شفتّا لي حفرة سوده كبيرة قدامي وزي ما يكون زول تاني بيتكلم بي لساني ما أنا .. دحين أعفى مني يا بت الكرام وأرجعي معاي معززة مكرمة لي بيتك.
رفعت رأسها عاليا وأشاحت بوجهها تخفي دمعة ترقرقت على عينها وقالت في كبرياء:
يا (الغالي) بعد رخستّا بي .. رجعتني مكسورة خاطر وجناي في كتفي لحمة حمره .. وقصيت قلب أبوي بالخلعة وكت رميت ليهو اليمين سِبة بلا سبب .. دايرني أرجع ليك؟ .. وحاة ابوي .. إن بقيت آخر راجل في الدنيا تاني ما بتمسك يدي .. وإن بقيت قبلة أنا ما بصلي عليك.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version